صناعة المجازر: حين يستثمر الحوثيون في دماء المدنيين

Author Icon مصطفى محمود

أبريل 26, 2025

منذ بدء الضربات الجوية الأمريكية على مواقع الحوثيين في اليمن، راهنت الجماعة على وقوع خطأ أمريكي يُصيب مدنيين، يمنحها فرصة ذهبية لتحريك الرأي العام والمطالبة بوقف الضربات. غير أن الانتظار طال دون جدوى؛ فالطيران الأمريكي، باستثناء حادثة ميناء رأس عيسى، نفّذ أكثر من 370 طلعة دون أن يرتكب خطأ واحدًا ضد مدنيين، ما وضع الحوثيين أمام مأزق دعائي خطير. وفي خطوة تعكس منطقًا بالغ الوحشية، اتخذت الجماعة قرارًا داخليًا صادمًا: أن تُقدم بنفسها على استهداف أكبر عدد ممكن من المدنيين، ثم تلصق التهمة بالطيران الأمريكي. وكانت مجزرة "سوق فروة" التجسيد الصارخ لهذا النمط.

أولًا: من الاستثمار في الخطأ إلى افتعال الجريمة

طوال سنوات الحرب، برعت جماعة الحوثي في استثمار الأخطاء التي ارتكبها التحالف العربي، لا سيما الغارات التي طالت تجمعات مدنية. إلا أن دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة مثّل تحديًا جديدًا؛ فالغارات الأمريكية جاءت دقيقة وموضعية. ومع كل طلعة تمر دون ضحايا مدنيين، تجد الجماعة نفسها تخسر ورقة دعاية. في هذا السياق، انتقلت الجماعة من انتظار الخطأ إلى صناعته؛ إذ بدا ان تجنب الطيران الأمريكي ارتكاب مجازر ضد المدنيين يربك الحسابات السياسية للحوثيين، ويدفعهم إلى تبنّي تكتيك أشد قسوة: صناعة المجازر بأيديهم.

ثانيًا: الإرباك الدعائي لدى الحوثيين

وجدت جماعة الحوثي نفسها أمام مأزق سردي حاد: لا يمكن تسويق "العدوان الأمريكي" بدون ضحايا مدنيين. فالجماعة، التي طالما استندت إلى مظلومية الضربات الجوية، كانت تفتقر إلى المادة البصرية والقصصية الكفيلة بتحريك الشارع اليمني والعربي. وقد ظهرت مؤشرات الارتباك في الخطاب الإعلامي الحوثي، حيث بدأت القنوات والمنصات تتحدث عن "جرائم مرتقبة"، وتحذر من "استهداف المدنيين"، وكأنها تُمهّد لوقوع شيء ما. هذا التمهيد يكشف، على الأرجح، وجود قرار داخلي بافتعال حادثة كبرى تُعيد للجماعة زخمها الدعائي، وهو ما تحقق، نظريًا، في حادثة "سوق فروة".

ثالثًا: دراسة حالة – مجزرة "سوق فروة"

في أحد أسواق صنعاء، دوّى انفجار ضخم أوقع عشرات القتلى والجرحى. سارعت الجماعة إلى اتهام الطيران الأمريكي، غير أن تسريبًا داخليًا، يُظهر إطلاق صاروخ أرض-أرض من منطقة تحت سيطرتهم، وضع الجماعة في زاوية الاتهام. التحقيقات الميدانية ومقاطع الفيديو أكدت أن الصاروخ أُطلق من موقع حوثي، وأن توقيت الضربة يتطابق مع لحظة الانفجار. لم يكن اختيار السوق فورة بالذات عشوائيًا؛ بل لأنه يتسم بتجمع بشري واكتظاظ سكاني، ومبانٍ هشة، ومساحة ضيقة، ما يجعل احتمال سقوط ضحايا مرتفعًا جدًا. كانت الغاية واضحة: خلق مذبحة تُنسب للولايات المتحدة وتُستخدم كورقة ضغط سياسي وإعلامي.

رابعًا: استراتيجية الحوثيين في توظيف دماء المدنيين

الاستثمار في المأساة سلوك متجذر في نهج الحوثيين. فمنذ سنوات، استخدمت الجماعة المدنيين دروعًا بشرية، وحرصت على وجود مقاتليها داخل الأحياء السكنية، لتُصعّب على خصومها الاستهداف الدقيق، وتجني أكبر قدر من الأضرار المدنية. لم تتردد في استغلال صور الضحايا، أو افتعال أحداث، أو حجب المساعدات عن المدنيين لتأليب الرأي العام. ومع دخول الضربات الأمريكية المشهد، باتت الحاجة لصناعة مذبحة مقصودة أكثر إلحاحًا، لاستعادة الفعالية السياسية عبر خلق "ضحية إعلامية"، وتصديرها كمادة احتجاجية.

خامسًا: الأبعاد القانونية والأخلاقية

تُعد مجازر كهذه انتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي الإنساني، الذي يجرّم استهداف المدنيين ويحمّل المسؤولية الفردية للفاعل. وإذا ثبتت مسؤولية الحوثيين عن افتعال مجزرة "سوق فروة"، فإن الجريمة تأخذ بعدًا مضاعفًا، لأنها لا تتعلق فقط بسقوط ضحايا، بل بخداع المجتمع المحلي والدولي، وخلق رواية زائفة، وتوظيف الضحايا سياسياً. هذا النمط من الجرائم يُصنّف ضمن الجرائم ضد الإنسانية في حال تكراره واتخاذه طابعًا منهجيًا. السكوت الدولي عن هذه الانتهاكات يعزز الإفلات من العقاب، ويشجع الجماعة على تكرار الأسلوب ذاته، ما يهدد بنقل العنف من ساحة القتال إلى منظومة الدعاية ذاتها.

خاتمة: دماء الأبرياء بين الحرب والدعاية

في مجزرة "سوق فروة"، يتجلى أقصى ما يمكن أن تبلغه الوحشية السياسية؛ حين تتحول حياة الإنسان إلى أداة استثمار في سوق الأكاذيب. لقد كشفت الجماعة عن استعدادها لفعل كل شيء، حتى قتل الأبرياء عمدًا، من أجل مكسب دعائي. ومع غياب المساءلة، تستمر الجماعة في تقمص دور الضحية، بينما تمارس دور الجلاد في الخفاء. إن إنهاء هذا النمط من الجرائم يتطلب فضح آلياتها، وكسر سرديتها، ومحاسبة مرتكبيها، قبل أن تصبح المجازر مجرد وسيلة، ويغدو الكذب استثمارًا استراتيجيًا رابحًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش والمراجع:

1. تقرير فريق الخبراء الدوليين بشأن اليمن، مجلس الأمن، 2024.

2. تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش حول استخدام الحوثيين للمدنيين كدروع بشرية، 2019-2023.

3. تحليل مرئي من قبل نشطاء يمنيين حول موقع إطلاق الصاروخ (سوق فروة)، ابريل 2025.

4. تغطية وكالة "رويترز" وتصريحات البنتاغون بشأن عدد الطلعات الأمريكية فوق اليمن، يناير-مارس 2025.

5. المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998).

زر الذهاب إلى الأعلى