الحوثيون واستدعاء الحرب: من جلب القصف إلى التنكر له"
منذ أن أحكمت جماعة الحوثي قبضتها على العاصمة صنعاء أواخر العام 2014، تحولت اليمن إلى ساحة مفتوحة لتدخلات إقليمية ودولية، لا سيما مع اندلاع الحرب في مارس 2015، وتوسّع دائرة العنف لتشمل معظم الجغرافيا اليمنية. غير أن ما يثير الانتباه، ويتطلب تمعنًا عميقًا، هو قدرة الحوثيين على إعادة تشكيل صورتهم الإعلامية، بحيث يتحولون من كونهم المتسببين الرئيسيين في الحرب، إلى مدّعين بأنهم الضحية الوحيدة لها، والمدافعون الأشاوس عن الشعب اليمني.
ففي الوقت الذي تواصل فيه جماعة الحوثي تهديدها للملاحة الدولية، وتطلق هجماتها ضد السفن التجارية، وتتبنى خطابًا عدائيًا ضد المجتمع الدولي، تتصاعد الضربات الأمريكية والبريطانية على مواقعها في اليمن، بوصفها ردًا على هذه الهجمات. ورغم أن الحوثيين يعلمون تمامًا أن أعمالهم العدائية هي السبب المباشر في استجلاب هذا القصف الخارجي، فإنهم ما يلبثون أن ينخرطوا في حملة دعائية واسعة النطاق، لتصوير الضربات الغربية على أنها عدوان أمريكي على الشعب اليمني، متجاهلين السياق الذي أدى إلى هذه الضربات.
هذه الازدواجية الحوثية ليست جديدة، بل هي سمة أصيلة في خطابهم السياسي والإعلامي. ففي كل محطة مفصلية من محطات الحرب، كان الحوثيون هم من يشعل فتيل التصعيد، سواء عبر اجتياحهم للمحافظات، أو مهاجمة الأعيان المدنية في السعودية، أو قصفهم للموانئ اليمنية، أو إجهاضهم لمسارات السلام. لكنهم ما إن تقع الكارثة حتى يخلعون عن أنفسهم عباءة الجاني، ويرتدون زي الضحية، ويشرعون في حملة خطابية تُحمّل خصومهم – محليين أو خارجيين – كامل المسؤولية عما جرى.
وتكمن خطورة هذا النمط من التلاعب في كونه لا يقتصر على الخطاب المحلي، بل يتجاوز إلى مخاطبة الرأي العام الدولي، حيث يسعى الحوثيون إلى تقديم أنفسهم كحركة مقاومة وطنية ضد "العدوان"، بينما هم في الحقيقة الطرف الأكثر مسؤولية عن تدويل الصراع وفتح الأبواب أمام التدخلات العسكرية.
كما أن استدعاء الجماعة للضربات الغربية – سواء بشكل مباشر من خلال التهديد المتواصل للمصالح الدولية، أو بشكل غير مباشر من خلال تقويض مسارات التهدئة – يعبّر عن منطق سياسي خطير، لا يأبه بمصالح الشعب اليمني، ولا يتردد في التضحية بحياة المواطنين ومقدرات البلاد من أجل تثبيت سلطة الجماعة وتحقيق أهدافها العقائدية.
إن الإصرار الحوثي على مواصلة هذا النهج يضعهم في خانة الفاعل المسؤول عن جرّ اليمن إلى المزيد من الدمار، ويُسقط عنهم أي مشروعية في الادعاء بالدفاع عن السيادة الوطنية أو حماية الشعب. فالحقيقة الثابتة هي أن الجماعة لا تدافع عن اليمن، بل تدافع عن مشروعها الإمامي الخاص، ولو على حساب كل شيء.
ولعل من واجب القوى الوطنية والإعلام الحر أن تفضح هذا التلاعب، وتُظهر الصورة كما هي: جماعة مسلحة تسببت في استدعاء الطائرات الغربية إلى الأجواء اليمنية، ثم ادّعت البطولة في مواجهتها، بينما الضحية الحقيقية هو الشعب اليمني الذي يرزح تحت وطأة هذه الجماعة وتبعات مغامراتها الطائشة.