سلام على دار النشامى
عشت في الأردن سنوات طويلة، بعد أن هجّرتنا حروب تجّار الدين من ديارنا في اليمن، فوجدنا في الأردن الأمان والسكينة، وعشنا بين أهله الكرام ذكريات كثيرة لا تُنسى في الأردن الطيب.
واليوم، عندما نسمع أن هناك من يحاول زعزعة أمن هذا البلد الأمن ، وأن العصابات التي خرّبت أوطاننا بدأت تظهر بأساليب مشابهة، نشعر أن من واجبنا أن نرفع الصوت ونقول: نحن مع الأردن، قلبًا وقالبًا.
سأذكر اليوم واحدة من القصص التي علقت بذاكرتي أثناء وجودي في الأردن، ورغم بساطتها إلا أنها معبرة وتصف الإخاء بين شعبينا. كنت أقف ذات صباح أمام منزلي في أحد أحياء عمّان، ومعي أحد أولادي الصغار، فاقترب منا رجل كبير جدًا في السن ، وتوقف بخجل، وسألني: "ما هو اليوم؟"
لم أفهم ان كان يسأل عن التاريخ،أو يقصد اي يوم في الأسبوع فسألته: "هل تقصد أي يوم في الأسبوع نحن؟"، فأجاب بالإيجاب.
أخبرته، وبدأ يبرّر لي بخجل لماذا لا يعرف ما هو اليوم، ومن خلال حديثي معه، عرفت أنه جار يسكن بالقرب منا، وأنه يعاني من الزهايمر. وقد سألني من أين الطريق إلى السوبر ماركت وهي قريبة جدا منا ولكن كان من الواضح عليه أن الزهايمر قد تمكن منه، فقد كان ينسى ماذا قال ثم يعيد الحديث أو السؤال مرة أخرى، وأكد لي بعض الجيران ذلك في وقت لاحق.
قال لي من ضمن حديثه : "من أين أنتم؟"، فأجبته: "من اليمن". وما إن سمعها حتى أضاء وجهه بنور المحبة، وقال بحماس غامر: "أنتم أصل العرب، أنتم أهل الكرم والشهامة!"، واسترسل في مديح اليمن بكلمات من القلب، مفعمة بالحب و الاعتزاز، و ثم استمرينا في الحديث في مواضيع كثيرة وهو يعيد كثير من الحديث بسبب النسيان ثم يعود ليسألني مرة أخرى: "من أين أنتم؟"، فأجيبه من جديد: "من اليمن"، ليعود فيكرر المديح، والترحيب بأهل اليمن اصل العرب ويتهلل وجهه مع كل موجة من موجات المديح، تأثرت كثيرا وانا أرى رجلا طاعنا في السن لم يعد يعرف ما اليوم من أيام الأسبوع، ولم يعد يهتدِ لطريق السوبرماركت القريب من منزلة، وربما نسي أسماء أولاده أو أحفاده، لكنه لم ينسَ اليمن. لم ينسَ أن اليمن أصل العرب.
هؤلاء هم العرب هؤلاء هم أهل الأردن، أصحاب الوفاء والطيب، عشائر أصيلة وشعب كريم، عشنا بينهم أفراحنا وأتراحنا، عرفنا في هذا البلد الكثير من النشامى الكرام. واليوم بعد أن غادرناها إلا أن الوفاء لها لم يغادرنا،
وآلمنا كثيرا سماع أخبار المؤامرات التي يحاول المتاجرون بالدين من خلالها زعزعة أمن الأردن واستقراره، نعلنها بصوتٍ واضح:
نحن مع الأردن.
ضد كل من يلبس عباءة الدين ليخرب الأوطان.
ضد من شوّهوا صورة الإسلام، وحوّلوه إلى وسيلة لنهب الناس وسفك دمائهم.
اللهم احفظ الأردن وأهله.
اللهم اجعل الفتنة بعيدة عنهم، كما جعلت الوفاء في قلوبهم.
اللهم ولا ترينا فيهم مكروهًا.