الكائنات الذين خلفهم هادي ودلعهم العليمي: جمهورية المراهقة السياسية

Author Icon فتحي أبو النصر

أبريل 19, 2025

في زمن التحولات المصيرية، تنهض الأمم بقادتها، أو تنهار بكائناتها. تلك هي خلاصة التجربة اليمنية، حين قرر عبد ربه منصور هادي، في لحظة "حكمة رئاسية" نادرة، أن يترك البلاد لا خلفا سياسيا ناضجا، بل مجموعة من الصبيان والكائنات، متناثرين كـ"وكلاء وزارات" و"وكلاء محافظات"، يتحدثون كأنهم رواد الفكر، ويتصرفون كأنهم أولياء الأمر.

على إنها الجمهورية الكائناتيه، لا بمعناها الديني بل الطفولي، فيما تحوّطلت الوظائف السيادية إلى جوائز ترضية، والمناصب الرسمية إلى ساحات لعب، وبدلا من أن نرى حُكم الكفاءات، رأينا تسلط المراهقات السياسية، التي تنمو بسرعة لكن بلا جذور، تماماً كالأعشاب الضارة.

والحق يقال إن هؤلاء ليسوا نخباً سياسية، بل فضلات بيروقراطية. لا يحملون مشروعا وطنيا بل حقيبة يد جلدية فيها "أوتوكوركت سياسي" يردد ما لا يفهم.بل لا يحسنون النقاش، لكنهم أساتذة في التسلق والادعاء. ومثلما يكرر الطفل كلمات أبيه دون فهم، يكررون شعارات "الشرعية" دون أن يعرفوا مضمونها.

كذلك العليمي؟ نعم، هو يتبع نفس النهج، كأنهم جميعا تخرجوا من مدرسة واحدة: مدرسة "لا أحد ينجو من الرداءة". العليمي الذي قرر أن يصبح رئيسا فقط لأنه يستطيع إلقاء خطابٍ من كلمات دون أن يخطئ نحويا، وأقسم يمينه أمام مرآة بيته وليس أمام الدستور. من منجزاته الكبرى أنه يتقن التصوير الذاتي (السيلفي) أثناء الاجتماعات، ويصنف نفسه "خارج الصندوق" بينما هو في الواقع داخل كرتون فارغ.

أما وكلاء المحافظات؟ فتلك مأساة أخرى. أحدهم لا يعرف كم مديرية في محافظته، والآخر يظن أن "التحصيل الضريبي" نوع من الرياضة. جميعهم يجيدون فن الظهور الإعلامي، وينشطون في تغريداتهم أكثر من نشاطهم في مكاتبهم.
وبالطبع، حين يأتي الحديث عن العمل، يُصاب أحدهم بـ"التهاب الوطنية المزمن"، فيبدأ برشق الحوثيين بخطابات فارغة، ثم يعود لمطالبة البنك الدولي بتمويل سيارته المصفحة.

لذا يا سادة، نحن أمام مشهد عبثي يستحق الدراسة في كتب التاريخ، لا على أنه نموذج للدولة، بل كنكتة سياسية سوداء. إنهم لا يمثلون الدولة، بل يمثلون إخفاقاتها. لا يقودون البلاد، بل يقودونها إلى الهاوية لم ببطء شديد، وكأنهم يتلذذون بالسقوط.

وللتذكير ففي الدول الطبيعية، الطفل إذا شاغب يُربّى. أما في جمهوريتنا، فالكائن إذا صرخ يُعيَّن. إذا كتب منشورا بلغة "الببغاء السياسي" صار ناطقا باسم وزارة. وإذا ظهر في صورة مع جنرال في المطار، صار خبيرا استراتيجيا في القنوات.

ومع هذا كله، ما زالوا يطالبون الشعب بالصبر، وكأنهم ملائكة الابتلاء. لكن الحقيقة أن الشعب قد تجاوز مرحلة الصبر، وبدأ يكتب شهادات الوفاة لمن تبقى من عقلانية الدولة.
و لقد أدرك الناس أن المشكلة ليست في ال..حوثي فقط، بل في هؤلاء الكائنات الذين يزاحمون الدمار ويتكلمون باسمه.

صدقوني لن يُكتب لليمن أن ينهض إلا إذا توقفنا عن تسمية الكائنات بالسياسيين، وعن رفع القاصرين إلى مقاعد الكبار. فالجمهوريات لا تُبنى بالصراخ، بل بالعقول. ونحن، ويا للأسف، ورثنا صراخا بلا عقل، وكائنات بلا مشروع، و"دولة" بلا دولة.

زر الذهاب إلى الأعلى