فئة لم نجد لها اسمًا بعد
في واقعنا اليوم، هناك من يسمّون أنفسهم "إعلاميين"، والحقيقة أن هذا الوصف لا ينطبق عليهم. وحتى الآن، لم نجد لهم اسمًا دقيقًا يناسب ما يقومون به، لكن يمكن وصفهم ببساطة بأنهم أناس يعتاشون على المدح والقدح، ويوظفون أقلامهم وأصواتهم وفقًا للجهة التي تدفع، سواء أكان الدفع ظاهرًا أو مخفيًا، مباشرًا أو غير مباشر.
هذه الفئة لا تتحرك من منطلق وطني، ولا من منطلق أخلاقي. لا يقولون كلمة حق إذا مست من يحميهم أو يدفع لهم. بل إنهم في كثير من الأحيان يلمّعون الفاسد، ويهاجمون من يختلف مع من يدفع لهم، ويزيّفون الصورة بما يخدم مصالحهم الخاصة.
هم ليسوا أصحاب رسالة، بل أصحاب مصلحة. الإعلام بالنسبة لهم مجرد مصدر دخل، لا وسيلة إصلاح. وكل من سخّر قلمه أو صوته لمدح أو ذم، مقابل مال أو منفعة، فهو ضمن هذه الدائرة، شاء أم أبى.
للأسف، هذه الفئة أصبحت حاضرة بكثرة، وتحتل المنابر والمساحات، بينما يغيب الصوت الصادق أو يُقصى. ومع هذا، لا تزال هناك أقلام شريفة، ومنابر لم تبيع ضميرها، وأصوات تكتب وتتكلم بما يمليه عليها وعيها وصدقها. هؤلاء لم أذكر أسماءهم، لا لأنهم قلّة، بل لأني لا أريد أن أسيء لمن لم أستطع حصرهم بالذكر، فالشرفاء كثيرون والحمد لله، ولا يجوز أن يُفهم من عدم ذكر أسمائهم أني تجاهلتهم.
دعوتي اليوم صادقة إلى من لم نجد لهم اسمًا إلى الآن: أن يراجعوا أنفسهم، أن يوجدوا ضمائرهم من جديد، أن يبدأوا بتسخير أقلامهم ومنابرهم لما فيه مصلحة المجتمع، حتى لو كان في ذلك تعارض مع مصالحهم الآنية. لأن الكلمة الصادقة، وإن خذلتك في البداية، ستنصفك في النهاية. والعمل من أجل الخير العام، وإن تأخر مردوده، فإنه يأتي، حتى على المستوى الشخصي والمادي.
وأقول هذا من واقع تجربة، لا من باب التنظير. لقد رأيت ذلك بنفسي. حين بدأت بعض كتاباتي تلامس – ولو بطريقة غير مباشرة – أرباب نعمة بعض من كنت أظنهم أصدقاء ونظراء في همّ الإصلاح، فوجئت أنهم بدأوا يتحاشونني، ويتجنبون حتى التفاعل مع ما أكتب. تغيرت لهجتهم، تغيرت ردودهم، وانكمش حضورهم. ليس لأن ما أكتبه خطأ، بل لأن من أدافع عن الناس ضده، هو من يمسك براتبهم، أو يضمن لهم استمرار المصلحة.
وهنا يتأكد لي أن ما أكتبه إصلاح اجتماعي، لا سياسة. لأني لم أذكر طرفًا، ولم أوجّه هجومًا، بل كتبت عن ظاهرة اجتماعية تمس الضمير، وتحتاج إلى مواجهة.
ولا تأكل الحُرّة من ثديها، كما قالت العرب. من أراد أن يحفظ كرامته، فليأكل من عرق جبينه، لا من لعاب قلمه، ولا من بقايا موائد الفاسدين.
ارفع رأسك، واكتب ما يمليه عليك ضميرك. لا تكن أداة بيد من يعبث بهذا المجتمع. ساهم في إصلاح مجتمعك في هذه اللحظة الحرجة من تاريخه. لا أحد يطلب منك المستحيل، ولكننا نطلب منك شيئًا بسيطًا: أن تقول الحقيقة، أو على الأقل، ألا تبيعها.