من الحشاشين إلى المُحَشّشين
الاختلاف الثقافي العميق بين العرب والفرس يجعل كثيرًا من العرب غير قادرين على فهم أساليب الطرف الآخر، خصوصًا فيما يتعلق بإدارة الصراع والتعامل مع الخصوم.
في الثقافة العربية التقليدية، تميل المجتمعات العربية إلى المواجهة المباشرة، والوضوح في المواقف، بينما في تجارب فارس التاريخية نرى اعتمادًا كبيرًا على التخفي، والتغلغل، والعمل طويل الأمد خلف الستار.
من يقرأ تاريخ المنطقة بتجرّد، سيكتشف أن أسلوب التظاهر بالانتماء لخصم ما، والتعايش معه لسنوات، ثم تنفيذ مهام مدروسة من الداخل، لم يكن أمرًا نادرًا، بل تكرر في أكثر من مرحلة من تاريخ الفرس.
ومن أبرز النماذج على ذلك ما قام به الحسن بن الصبّاح، مؤسس إحدى الحركات الباطنية في إيران (الحشاشون) ،
الذي أرسل أفراد من أتباعه إلى مناطق نفوذ خصومه، حيث تظاهروا بالولاء لهم واندمجوا في المجتمعات،
ثم نفذوا عملياتهم في لحظة محسوبة.
ومن أبرز تلك العمليات تصفية الوزير نظام الملك، أحد أبرز رجال الدولة في زمنه، على يد شخص انتحل صفة متصوّف، وكسب الثقة لفترة طويلة قبل أن يتحرّك.
الوعي بهذه الأساليب ليس دعوة للشك، بل للتفهّم والحذر. فالعقلية التي تبني خططها على مدى عقود تحتاج إلى قراءة مختلفة، وإدراك أن الخطر لا يأتي دائمًا من المواجهة، بل أحيانًا من التماهي الظاهري الذي يُخفي أهدافًا أخرى.
وكما قال أحد كبار مثقفي الجماعة في اليمن بعد سقوط دولتهم بقيام ثورة 26 سبتمبر 1962 قال:
سنعيد الإمامة للحكم يومًا،
بثياب النبي أو بثوب ماركس،
فإذا ما خابت الحجاز ونجد،
فلنا إخوة كرامٌ بفارس.