ما دلهم على موته إلا دابة الأرض
في البداية، كان يقال: من المستحيل أن تترك إيران حليفتها حماس تواجه مصيرها وحدها، تفترس من قبل إسرائيل وهي تتفرج. خصوصا أن فلسطين محاطة بمحور المقاومة تحت راية إيران وبشعار «وحدة الساحات». وكان من البديهي أن إيران، إن لم تتدخل بشكل مباشر — وهو ما كان يرجح وقتها — فإنها ستحرك أدواتها، وعلى رأسها حزب الله، ثم سوريا، ومن خلفهم الفصائل العراقية الإيرانية الصنع، بل وحتى الأداة الأبعد جغرافيا عن فلسطين، أي الحوثي، قد يستعمل ولو كقفاز تطلق منه إيران صواريخها من الأراضي التي يسيطر عليها، ويخرج بعدها ناطق الجماعة الحوثية ليؤكد أن اليمن هي من تقف خلف الإطلاق لكي يبرئ ساحة إيران ويحمي بنيتها التحتية من أي انتقام.
لكن ما حدث أن حماس تركت وحيدة، حتى دمرت غزة وسويت بالأرض، لأكثر من عام والمجازر ترتكب يوميا في القطاع.
وفي هذه الأثناء، حاول حزب الله أن يقف في منزلة بين المنزلتين: لا يدخل حربا مباشرة، لكنه قام بمحاولة شكلية باستهداف أحد أعمدة الاتصالات على الحدود، وسماها "مشاركة"، في محاولة للرد على من بدأوا يسألون: أين شعار وحدة الساحات؟
وحين اطمأنت إسرائيل من جبهة غزة وأصبحت قادرة على فتح جبهة جديدة، توجهت نحو جنوب لبنان. وقيل وقتها: إذا اقتربت إسرائيل من الحزب، فإيران وأدواتها كلها ستتدخل بلا ريب. لكن... سحق الحزب حتى أعلى هرم سلطته، وبقيت بقية الأدوات تتفرج.
رغم الحدود المفتوحة من لبنان إلى طهران مرورا بسوريا والعراق، حيث تحكم أدوات إيران، لم تتحرك إيران. وظلت علامات الاستفهام تكبر. حتى أولئك الذين كانوا يعتقدون أن تدخل إيران لحماية أدواتها — الذين يعدون خطوط الدفاع الأولى لها — أمر مفروغ منه، بدأوا في الحيرة.
ثم أطلقت المعارضة السورية عملية "ردع العدوان"، وانهارت قوات الأسد، حليف إيران الأكبر.
وكلما تقدمت المعارضة كبرت علامة استفهام حول صمت إيران إلى أن سيطرت المعارضة على دمشق.
وحينها خرج خامنئي ليعلن أن إيران لم تقدم سوى استشارات أمنية وعسكرية، ولم تكن تنوي التدخل المباشر، وبدأ واضحا تناقض تصريحات إيران مع نفسها ومع تصريحات روسية وصفت موقف القوات الإيرانية في سوريا بشكل مريب وهروب مخز. وفي هذه المرحلة أصبح شعار "وحدة الساحات" خارج الخدمة رسميا.
ولكن في خضم هذا كله، كانت الأداة الإيرانية الوحيدة التي لا تحسب حسابا لدمار بنية البلد التحتية هي الجماعة الحوثية.
و التي ظلت طوال هذه الفترة تحاول باستماتة أن تلفت الضربات نحو اليمن، بتبنيها كثيرا من المشاغبات التي لم تسفر سوى عن مقتل شخص واحد في إسرائيل. وعندما نجحت أخيرا في استدعاء الرد الإسرائيلي، كانت البداية بتدمير ميناء الحديدة، أحد أهم المرافق الاقتصادية في اليمن. ثم دخلت أمريكا على الخط وبدأت بقصفه.
عند هذه اللحظة، أصبح السؤال الأكبر: هل ستقف إيران مع آخر أدواتها؟ أم ستتركه، كما تركت الجميع من قبله؟
تصريحات إيران حتى الآن ترجح الخيار الثاني.
وإن فعلت، يبقى السؤال الأهم، وربما الأخير:
هل إيران باعت أدواتها مقابل ثمن قبضته سرا؟
أم أن إيران ميتة منذ زمن،
ولم يدل على موتها إلا دابة الأرض حين أكلت منسأته؟