المثقف الطائفي: قناع الحداثة وولاء الكهف

Author Icon فتحي أبو النصر

مارس 19, 2025

المثقف الذي لا يعترض على جرائم الح. وثيين ليس مثقفا، بل متحذلقٌ بائس، يجيد فن التلاعب بالمصطلحات بينما يتعامى عن الفظائع التي تذبح اليمن من الوريد إلى الوريد.
بل إنه ليس سوى بوق تافه، يكرس وعيه للدفاع عن سلالة ترى في الناس رعايا، وفي البلاد غنيمة حرب.
طبعا هذا المثقف الذي يزين الصمت بحجج زائفة عن "الحياد" و"التوازن"، ليس إلا طائفياً بثوب الثقافة، يتقن فن المراوغة، لكنه يفضح نفسه حين يحاول أن يبدو موضوعياً وهو يغض الطرف عن مقابر الأطفال، واقتصاد المجاعة، وسرقة المرتبات، والقمع المقدس، وحفلات التطييف السياسي التي يديرها رجل الكهف عبد الملك ال..حوثي كإمام عصر الأنوار (لكن بالعتمة!).

والأرجح إنه المثقف الذي يحفظ ماركس عن ظهر قلب، لكنه يتوضأ بماء الفقه الإمامي كلما جاء ذكر "السيد القائد". الذي يدعي مناصرة فلسطين، لكنه يصمت حين يرى الطائرات المسيرة الحوثية تحلق في سماء اليمن، تقصف الأسواق، والمستشفيات، وتفرض الإتاوات، ثم يهلل لكل صاروخ يمر فوق الرياض كأنه صلاح الدين ببعث جديد!
هذا المثقف الطائفي يختبئ خلف الرطانات الكبيرة، لكنه يسقط عند أبسط اختبار: هل تدين المليشيا التي فجرت منازل الناس؟ هل ترفض الاستعباد باسم الحق الإلهي؟ هل تؤمن أن المواطن يمني قبل أن يكون "زيديا" أو "شافعيا" أو أي شيء آخر؟!

من هنا فإن المثقف الحقيقي يضع الموقف الأخلاقي قبل أي حسابات سياسية أو طائفية، أما المتحذلق الطائفي فيجد ألف تبرير للوحشية إذا جاءت من جماعته، ويرتدي قناع "الموضوعية" ليبرر الجريمة حين يكون الضحية لا ينتمي إلى طائفته أو لا يوافقه الرأي. فضلا عن إنه المثقف الذي يطالب العالم برفض العنصرية لكنه يصمت عن سلالية الح..وثي، الذي يبشر بالديمقراطية لكنه يصفق لحكم الكهنوت، الذي يهاجم الإمبريالية لكنه لا يرى بأسا في دولة ثيوقراطية تعامل الشعب كقطيع.

والمفارقة الكبرى أن هذا المثقف يعرف نفسه بأنه "يساري"، لكنه يبرر قمع الحوثي للأحزاب! يعرف نفسه بأنه "ليبرالي"، لكنه لا يمانع قوانين الولاية الإيرانية وحق الاصطفاء! يعرف نفسه بأنه "وطني"، لكنه يطرب لكل خطاب حو .ثي يصف الدولة الجمهورية بأنها "نظام عميل"!

كذلك فإنه ليس أكثر من كاتب مأجور أو مخدوع، لا فرق. مخدوع لأنه يظن أن الطائفيين سيقبلونه بينهم، ومأجور لأنه يعرف جيد أن ثمن الصمت والموالاة أعلى بكثير من ثمن الصدق والموقف. لكن التاريخ، رغم كل شيء، لا يرحم، وسيأتي يوم يُقرأ فيه اسمه كما تُقرأ أسماء كلّ الذين صمتوا عن الطغيان، لا بشرف المعارض، بل بعار المتواطئ الجبان المرتدي قناع الحداثة!

زر الذهاب إلى الأعلى