الاشتراكي المتحوث: إمبريالي ببندقية الإمام!

Author Icon فتحي أبو النصر

مارس 17, 2025

يحدث أن تصادف اشتراكيا يزعم أنه يناضل لمقاومة الإمبريالية، بينما يسوق للإمامة كأنها نسخة يمنية من عدالة ماركس!
هكذا يولد "الاشتراكي المتحوث"، وهو نموذج تجدونه في كل مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية العجيبة ،فيما يعتقد أن حديثه عن مقاومة الرأسمالية تبرر تقبيله ليد السيد.
والشاهد أن هذا المخلوق السياسي الهجين، يصر على أنه ضد الهيمنة الغربية، لكنه يذرف دموع التماسيح على حصار الحو..ثيين، كأن مشروعهم ليس أكثر المشاريع الإمبريالية بربرية ورجعية في تاريخ اليمن.
نعم ،ما هي الإمبريالية إن لم تكن نظاما يستولي على خيرات الناس بالقوة؟
وإذا كانت الإمبريالية تعني استعباد الناس عبر أنظمة طبقية، فهل هناك إمبريالية أشد من فكرة "الخمس"، التي تمنح أبناء "السلالة المختارة" نسبة من ثروات الشعب لمجرد أنهم ولدوا في نسب معين؟
لكن إذا كان تقسيم المجتمع إلى أسياد ورعايا هو جوهر الهيمنة، فكيف يزعم الاشتراكي المتحوث أنه ضد التمييز، بينما يروج لعقيدة تكرس التفوق الوراثي؟
طبعا عندما رفع ماركس شعار "يا عمال العالم اتحدوا"، لم يكن يقصد أن يتحد العمال لتقديم "الخُمس" لأبناء البدر! لكن في النسخة الحوثية من الاقتصاد، لا مكان للملكية الجماعية أو للعدالة الاقتصادية، بل هناك غنيمة تنهب، وأموال تصادر، واقتصاد يقوم على الجباية، وبالمقابل يصبح "المجهود الحربي" هو العذر الفقهي لنهب الناس.
لكن أي اشتراكية هذه التي تبارك سرقة رواتب المعلمين وفرض الإتاوات على التجار بينما تمتلئ خزائن الكهنة؟
ولقد وصف كارل ماركس الدين بأنه "أفيون الشعوب"، لكن الاشتراكي المتحوث يرى أن "الولاية" ليست أفيونا، فقط بل قانونا مقدسا ! هنا تتحول الثورة ضد الاستغلال إلى خنوع لأسوأ أشكاله، فيما يردد المتحوثون الاشتراكيون خطابا يسخر من الديمقراطية، ويتحدثون عن "القيادة الربانية"، كأنها البديل التقدمي للديكتاتورية. !
نعم ،في عقيدة الحوثيين، ليس المهم أن تكون كادحا أو عاملا أو حتى ثوريا، بل أن تكون "من آل البيت"، فتأخذ نصيبك من غنائم الثورة!
بل ليس هناك مشروع أكثر تعطشا للدماء من المشروع الحوثي، ومع ذلك، لا يخجل الاشتراكي المتحوث من تقديمه على أنه مقاومة وطنية!
ولكن كيف يكون القتل والاغتيالات وتلغيم الطرقات سلوكا تحرريا؟ كيف تتحول التفجيرات واستهداف المدنيين إلى نضال مناهض للإمبريالية؟ بل أي مقاومة هذه التي تحاصر تعز وتجوع سكانها، بينما تزعم مواجهة أمريكا؟
طبعا لا يحتاج المرء إلى ذكاء خارق ليفهم أن المشروع الحوثي ليس إلا استعمارا دينيا، يقتل ويبطش ويسحق أي صوت معارض، ثم يرتدي قناع الضحية.
بل في الأيديولوجيا الحوثية، لا يوجد "شعب"، قدر ما هناك "سادة" و"عوام"، إذ يتم تقسيم اليمنيين وفق نسبهم، لا كفاءتهم. وهكذا حتى أكثر الرأسماليين جشعا لم يجرؤوا على إحياء نظام العبودية الوراثية، فيما الحوثيين فعلوها!
ولكن كيف يمكن للاشتراكي المتحوث أن يتحدث عن المساواة، بينما يدافع عن جماعة ترى نفسها "مختارة إلهيا"، وتضع أبناء الفقراء في الصفوف الأمامية للحروب، بينما يعيش قادتها في القصور؟
والشاهد أن الاشتراكي الحقيقي يدافع عن العدالة، بينما الاشتراكي المتحوث ليس سوى بوق لمشروع كهنوتي إقطاعي.
فإذا كنت ضد الإمبريالية، فعليك أن تكون ضد كل أشكال الاستبداد، لا أن تدافع عن سلطة قائمة على النسب، وتحلم أن تصبح وزيرا في دولة السلالة! الحوثية ليست مقاومة، بل استعمار بعمامة سوداء، وما الاشتراكي المتحوث إلا كومبارس في مسرحية امام جديد، يريد أن يعيد عجلة التاريخ إلى الوراء.
وبالتأكيد قد يكون الاشتراكي المتحوث أكثر حماسا في خطابه من غيره، لكنه مجرد "إمامي بالمقلوب"، يسير في ركب السادة وهو يظن أنه مناضل. أما اليمن، فقد لفظت الكهنوت مرة، وستلفظه ألف مرة أخرى، حتى لو حاول الاشتراكي المتحوث أن يقنعنا بأن الكهنوت الإمامي هي الشكل الجديد من العدالة الاجتماعية!

زر الذهاب إلى الأعلى