خطاء السلطة بين الإصلاح والتبرير..¡

Author Icon عبد ربه السقاف الطهيفي

مارس 10, 2025

بمناسبة ما يحدث في سوريا والوطن العربي بشكل عام في هذه الفترة، هناك مفهوم خاطئ يجب إعادة إصلاحه في العقل الجمعي العربي، وهو مفهوم أخطاء السلطة والتعامل معها.

نحن، في جميع الأمم تقريبًا، ندرك أن البشر يخطئون، ولا يوجد إنسان معصوم من الخطأ مهما بلغت مكانته أو سلطته (باستثناء الفرس الذين يعتقدون بعصمة قادتهم وعدم وقوعهم في الخطأ وهو اعتقاد متجذر في الثقافة الفارسية منذ الزرادشتية وامتد لاحقًا إلى المذهب الإمامي، مما جعلهم يتعاملون مع السلطة وكأنها كيان مقدس لا يخطئ. وقد كتبت بحثًا في هذا الموضوع وسأنشر منه مقالات قريبًا إن شاء الله، لتوضيح جذور هذا الاعتقاد وتأثيره على التاريخ والسياسة في المنطقة).

أما باقي الأمم، خصوصًا الأمم ذات الحضارات العريقة، فهي تعي أن الأخطاء أمر طبيعي وحتمي، لكن الفرق الجوهري يكمن في كيفية التعامل معها ومعالجتها. هناك مساران رئيسيان تتبعهما الدول والمجتمعات

●المسار الأول هو التبرير والدفاع الأعمى عن الخطأ، ومحاولة تحريفه عبر الإعلام، وصناعة الروايات المضللة التي تصور الخطأ على أنه صواب، بل وتجعل من صاحبه بطلًا لا يخطئ أبدًا. هذا المسار خطير جدًا، لأنه لا يسمح للأنظمة والمجتمعات بتصحيح نفسها، بل يدفعها إلى تكرار الأخطاء نفسها حتى تنهار بالكامل.

●المسار الثاني وهو المسار الصحي والسليم، فهو الاعتراف بالخطأ، التبرؤ منه، ومحاسبة المسؤولين عنه، والعمل على عدم تكراره مستقبلًا. هذه هي الخطوة الأولى والأساسية في إصلاح أي منظومة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، لأنها تفتح المجال للتصحيح المستمر، مما يؤدي إلى التطور وتقليل نسبة الأخطاء مستقبلًا، وهذا ما يساعد الأمم الناجحة على الارتقاء باستمرار.

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد حدثت في عهده أخطاء، ولكنه لم يسع إلى تبريرها أو إخفائها، بل تعامل معها بمنطق الإصلاح والتصحيح، كما قال عن خالد بن الوليد عندما ارتكب خطأ في إحدى المعارك (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد). هذا في عهد رسول الله وهو رسول الله، وخالد وهو خالد، ومع ذلك لم يتم التغاضي عن الخطأ أو تبريره، بل وضعت الأمور في نصابها الصحيح.

اليوم، إذا نظرنا إلى البلدان المتقدمة، سنجد أن الأخطاء تحدث بشكل يومي، لكنها لا تدفن ولا تطمس، بل يتم الكشف عنها، التبرؤ منها، ومحاسبة مرتكبيها، ليس بطريقة مثالية دائمًا، ولكن بمستوى يكفي للحفاظ على تطور أنظمتهم واستقرارها.

أما الدول التي تتبنى المسار الأول، أي التستر على الأخطاء والدفاع عنها مهما كانت، فإنها سرعان ما تقع في مستنقع الفساد، القمع، والإجرام المنظم، حتى تصل إلى نقطة اللاعودة، حيث يصبح إصلاحها شبه مستحيل، كما حدث مع العديد من الأنظمة العربية القمعية التي سقطت نتيجة تراكم الأخطاء وعدم الاعتراف بها أو تصحيحها.

إن هذا الفهم العميق لمسألة الخطأ والاعتراف به لا يدركه إلا أولئك الذين تحرروا من قيود التعصب الضيق، وينظرون إلى الأمور بمنظور شامل وعقلانية، مع استيعاب دروس التاريخ والتجارب الإنسانية. إن الأمم التي تريد أن تنهض وتتقدم، يجب أن تكون شجاعة في مواجهة أخطائها بدلاً من إنكارها.

زر الذهاب إلى الأعلى