الأحزاب اليمنية: متحدون في الصراع، متفرقون في الخراب.

Author Icon فتحي أبو النصر

مارس 9, 2025

ذات يوم، جلس قادة الأحزاب اليمنية على طاولة واحدة، تبادلوا الابتسامات والمجاملات، وتصافحت أيديهم التي ما زالت تحمل آثار المعارك السابقة.
ولقد كان المشهد يشبه زواجا يمنيا تقليديا، إذ يجتمع الجميع ويحتفلون، لكنهم جميعا يعلمون أن ليلة الدخلة ستنتهي بالطلاق أو بكارثة أسرية!

والشاهد أن الحزب الاشتراكي اليمني، الذي ورث الإرث الثوري لدولة الجنوب اليمني، قرر أن يتوحد مع المؤتمر الشعبي العام، الحزب الذي أسسه صالح ليكون ثوبا فضفاضا يتسع للجميع، حتى تحققت الوحدة اليمنية عام 1990. لحظة تاريخية؟ ربما، لكن كعادة اليمنيين، لم يكن الاتفاق سوى بداية لحلقة جديدة من مسلسل الصراعات.

من هنا لم تمضي سوى بضع سنوات حتى بدأ الطرفان يتبادلان اللكمات السياسية والعسكرية، وانتهى العرس الديمقراطي بمجزرة 1994، حيث انتصر المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه على الحزب الاشتراكي، فأصبح الأخير مجرد شبح سياسي يتنقل بين الحنين إلى الماضي ولعنات الحاضر.

ثم جاء الدور على التحالف الثاني، حين وجد الاشتراكي نفسه، بعد سنوات من التيه، يعقد قرانه مع التجمع اليمني للإصلاح، الخصم الديني الذي كان بالأمس يصفه بالملحد، ليخوضا معا تجربة المعارضة ضد نظام صالح. معارضة؟ نعم، لكنها كانت أقرب إلى مسرحية كوميدية، حيث كان كل حزب يسعى لتوجيه الصفعات أكثر مما يسعى لإحداث تغيير حقيقي.!

أما المؤتمر الشعبي العام، فقد ظل يلعب دور الأب الذي يراقب أبناءه المتصارعين، يُحيي هذا تارة، ويغدر بذاك تارة أخرى، حتى جاء الحوثيون، هؤلاء الذين لم يهتموا بكل هذه المسرحيات، بل قرروا أن يكونوا مخرجي الفيلم الدموي الكبير.

نعم ، عندما ظهر الحوثيون، لم يكونوا سوى مجموعة متمردة في صعدة، يرفعون شعارات المظلومية ويدعون الدفاع عن اليمن، بينما كانوا يخططون لمسرحية انقلاب كبرى.
حزب الإصلاح ظن أنهم مجرد جماعة مسلحة ستخدمه في صراعه مع صالح، ففتح لهم الأبواب الإعلامية والسياسية." حين سقطت صعدة بيد الحوثيين قال الشيخ حميد الأحمر القيادي الإصلاحي الكبير وبثت قناة سهيل ان صعدة أول محافظة تعود إلى حضن الدولة وتؤيد مطالب الثورة الشعبية !

طبعا الذي عارض تمدد المليشيات الحوثية الكهنوتية في قبيلة حاشد هو الشيخ حسين الأحمر بينما كان الشيخ حميد الأحمر في حالة ذهول. بعدها فجر الحوثيون منزل الشيخ حسين الأحمر وباقي منازل شيوخ قبيلة حاشد التي لا احد ينكر مقاومتهم التاريخية لفكرة الإمامة المستبدة. لكن المليشيات الحوثية بثت فيديو مفاده " باي باي حسونة"؛

أما المؤتمر الشعبي العام رأى فيهم فرصة للانتقام من خصومه، فساعدهم في التمدد.
أما الحزب الاشتراكي، فقد وقف النزهاء من شبابهم وقيادتهم متفرجين، مُعتقدون أن الحوثيين لن يصلوا إليهم لأنهم لم يكن في الحكم اصلا! بل ونظر عديد من الكتاب والقيادات للميلشيات الحوثية.

لكن الحوثيين لم يكونوا أغبياء مثل الأحزاب اليمنية.تلك.
نعم ، لقد خدعوا الجميع، ثم انقضوا على الجميع. غدروا بالإصلاح، فاغتالوا قادته وسجنوا شبابه. خانوا المؤتمر الشعبي العام، فقتلوا زعيمه صالح في مشهد مأساوي، كأنهم يضعون نقطة النهاية لحزبه الذي أوجدهم.
أما الحزب الاشتراكي، فقد وجد نفسه كعادته في قائمة المنكوبين، حيث لم ينجُ من بطش الحوثيين إلا لأنه لم يكن بما يكفي ليتم القضاء عليه بجدية! انقضت المليشيات الحوثية على عدن عاصمة الحزب الإشتراكي اليمني التاريخية ولكن قوى الحزب الإشتراكي اليمني نجحت في دحرهم.!
بالمناسبة من كتب رؤية أنصار الله إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل هو الإعلامي القيادي الاشتراكي طاهر شمسان وطاهر على صلة ببيت الوزير والدكتور محمد عبد الملك المتوكل الذي أحب أن يظهر أنصار الزفت كعلمانيين! طبعا علي البخيتي هو من طلب من طاهر شمسان كتابه الرؤيا بمبلغ ٢٥٠٠٠٠ ألف ريال. قد يزعل العزيزين طاهر وعلي مني لكني امتلك كل شيء ولم أقل أي شيء بعد!

المهم الواقع أننا وصلنا اليوم إلى وضع كارثي، إذ لم يعد هناك حزب قادر على التأثير الحقيقي. المؤتمر الشعبي العام أصبح حزبا بلا رأس، بعد أن أكل الحوثيون قائده. التجمع اليمني للإصلاح تائه بين ركام تحالفاته الفاشلة وبلاهاته المتكررة.
الحزب الاشتراكي أصبح مجرد ذكريات تروى في لقاءات السياسيين المسنين الذين يتذكرون "أيام الزمن الجميل".!

أما الحوثيون، فهم الآن يستمتعون بإدارة دولة الخراب، يجمعون الضرائب، يقمعون المعارضين، ويواصلون بيع الوهم للناس بأنهم "أنصار الله"، بينما هم في الحقيقة "أنصار الغنائم".

وفي كل هذا، يتساءل اليمنيون: هل كنا بحاجة إلى كل هذه التحالفات والخيانات والدماء لنصل إلى هذه النتيجة البائسة؟ أم أن اللعبة كلها لم تكن سوى خدعة كبرى، إذ كان الجميع يخدع الجميع، حتى أصبح اليمن هو الضحية الكبرى لهذا الجنون؟

الجواب معروف، لكنه لا يهم، لأن القصة لم تنتهي بعد، وما زال هناك متسع لمزيد من التحالفات الخادعة، والمسرحيات السياسية، والجولات الجديدة من الغدر والبلف والتحريض والمؤامرات والحكولة.
أو كأن اليمنيين قد كتب عليهم أن يظلوا في دائرة مغلقة، تتكرر فيها نفس الأخطاء، بنفس الشخصيات، ولكن بأقنعة جديدة كل مرة!

 

زر الذهاب إلى الأعلى