الحزب الاشتراكي اليمني: من ثوار للوحدة إلى متاهة التناقضات
ما الذي يحدث في الحزب الاشتراكي اليمني؟ كيف انتهى حزبٌ قاد نضالات اليمنيين ضد الاستبداد إلى أن يكون أسير التناقضات الطبقية والمناطقية؟ كيف أصبح الحزب الذي قاتل بشراسة من أجل الوحدة اليمنية يعج بقيادات تنتمي إلى بنية سياسية واجتماعية مناقضة تماما لمبادئه؟ بل كيف صار من الممكن أن يُختصر الحزب في أشخاص يحملون ألقابا مثل "سيد" و"شيخ"، وكأننا أمام تركيبة إقطاعية أو سلالة عائلية لا حزبا ثوريا يفترض أنه ينتمي إلى الطبقة الكادحة والمضطهدة؟
نعم ، كان الحزب الاشتراكي اليمني ذات يوم مدرسة للنضال، جسد حلم العدالة الاجتماعية والمساواة، وارتبط اسمه بتجربة جنوب اليمن الاشتراكية التي – رغم كل ما شابها من تعقيدات وصراعات – كانت تُمثّل محاولة جادة لتأسيس دولة مدنية حديثة. كان مناضلوه الحقيقيون يُسجنون ويُنفون ويُقتلون، وكانت الجماهير ترى فيهم الأمل وسط فوضى الطغيان والهيمنة الطبقية. لكن ماذا تبقى من ذلك الحزب اليوم؟
تخيلوا، أمين عام الحزب الاشتراكي "سيد"! أليس هذا تجسيدا ساخرا للمفارقة التاريخية؟ هل يُعقل أن يقود حزبا اشتراكيا شخصٌ يحمل لقبا مرتبطا بإرث التراتبية الدينية التي طالما كانت نقيضا للفكر التقدمي؟ ماذا عن رئيس اللجنة المركزية؟ "شيخ"! هل نحن أمام مؤتمر حزبي أم مجلس قبلي لحل الخلافات؟ ثم نأتي إلى نائب رئيس اللجنة المركزية الذي يدعو إلى الانفصال وكأن الحزب الاشتراكي لم يكن أحد صناع الوحدة اليمنية، وكأن الدماء التي سالت في 1994 لم تكن دفاعا عن خيار الوحدة، وكأن الحزب لم يقدم أغلى التضحيات في سبيل بقاء اليمن موحدا.
إنها مهزلة تفوق الوصف. وكأن هناك مخططا لدفن التراث الاشتراكي الحقيقي واستبداله بكائن هجين لا هو اشتراكي ولا هو ديمقراطي، بل هو مجرد تجمع للنخب التقليدية التي كانت ترى في الحزب وسيلة للنفوذ وليس مشروعا للتحرر.
في الحقيقة كان الحزب الاشتراكي يوما رمزا للطبقة الكادحة، أصبح اليوم حزبا تقوده نخب لا تمت بصلة إلى العمال والفلاحين، بل إلى مراكز القوى التي طالما ناصبها الاشتراكيون العداء.
نعم ، كيف وصلنا إلى هذه اللحظة؟ كيف انتقل الحزب من مشروع تحرري إلى مساحة يتحكم بها أُمراء المناطق وأصحاب الامتيازات الاجتماعية؟
لقد كان الحزب يوما صانعا للتحولات، لكن اليوم يبدو أنه هو نفسه بحاجة إلى تحول، إلى ثورة داخلية تعيده إلى مبادئه، أو على الأقل تعيده إلى الصدق مع نفسه. لأن ما يحدث الآن ليس إلا تناقضا فجا يدفع الحزب بعيدا عن قاعدته الشعبية، ويفقده آخر ما تبقى له من رمزية وأهمية.
و من هنا نتساءل نحن الذين صدقنا أن الحزب الاشتراكي يمكن أن يظل حاملا لمشروع التقدم، كيف خُدعنا.؟!
كيف لم نرَ في الأفق أن الحزب كان يتحول تدريجيا إلى كيان بلا روح، مجرد واجهة لمنظومة قوى متناقضة مع تاريخه. بل كيف كان يمكن للحزب أن يستعيد نفسه، لكنه اختار أن يتماهى مع الواقع الفاسد بدلا من مواجهته.
طبعا لا عجب أن الحزب فقد تأثيره الحقيقي. عندما يصبح الحزب الذي كان رمزا للتحرر الاجتماعي تحت سيطرة عقليات تقليدية، وعندما يتحول من حزب نضال إلى حزب تفاوض ومقايضات، فمن الطبيعي أن يتراجع إلى الهامش، أن يصبح ظلا باهتا لما كان عليه ذات يوم.
والشاهد أن التاريخ لا يرحم الأحزاب التي تخون مبادئها، والحزب الاشتراكي اليمني اليوم أمام اختبار وجودي: إما أن يستعيد هويته وينفض عن نفسه هذا العبث، أو أن يتحول إلى ذكرى أخرى من ذكريات اليمن السياسية التي طُويت مع الزمن.
نعم ، الاشتراكية ليست لافتة يمكن لأي شخص أن يحملها، وليست إرثا يُورّث عبر التفاهمات والصفقات. الاشتراكية التزام، فكر، نضال، وليس اقطاعية و مشيخة الشيخ يحيى منصور أبو أصبع وكائناته أو نفوذ سلالة السيد عبد الرحمن عمر السقاف وكائناته .. أو حتى ترفا سياسيا يُوزّع بين الطبقات العليا..
أما السؤال الحقيقي فهو: هل هناك من تبقى داخل الحزب ممّن يجرؤ على إعادة طرح السؤال الجوهري: أيّ حزب نريد؟