الدين بين الحقيقة والمظاهر: من الحفظ إلى التطبيق

Author Icon سليمان الشميري

مارس 5, 2025

في العصر الحالي، أصبح الدين في نظر البعض ساحة للعرض والمظاهر أكثر من كونه دعوة حقيقية للتغيير الروحي والاجتماعي. تنتشر المسابقات الدينية في شتى أنحاء العالم، والتي تهدف إلى تحفيز الأفراد على حفظ القرآن الكريم أو تلاوته بأجمل صوت، ويُعقد حولها الكثير من الآمال والطموحات. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل هذه الفعاليات تلامس جوهر الدين، أم أنها مجرد وسيلة للبحث عن جوائز أو مكانة اجتماعية أو مجرد أداة للتفاخر؟

الدين، في جوهره، ليس مجرد طقوس تُؤدى أو نصوص تُتلى. إنه قوة روحية تعزز من الأخلاق وتدفع الإنسان نحو تغيير حقيقي في سلوكه وعلاقاته مع الآخرين. الدين هو النور الذي يضيء طريق الإنسان في الحياة، وهو المنهج الذي يوجهه لتحقيق العدالة والمساواة. لكنه للأسف، في كثير من الأحيان، يتم اختزاله إلى مجرد استعراض للقدرات الصوتية أو أداة لتحقيق مكاسب اجتماعية في مجتمع يعاني من الجهل والفقر.

ومع ذلك، تبقى بعض المسابقات الدينية تحمل أهدافًا نبيلة، مثل تشجيع الشباب على حفظ القرآن الكريم، لكن من المهم أن نتساءل: هل هذه المسابقات تتجاوز حدود الحفظ إلى الفهم والتطبيق الفعلي؟ هل تدفع المشاركين إلى التدبر في معاني الآيات وتطبيقها في حياتهم اليومية؟ في كثير من الأحيان، يتعامل المشاركون مع الدين كوسيلة للظهور والتفاخر، فتتحول المسابقات إلى صراع على الجوائز، ويصبح الحفظ مجرد هدف مادي بعيد عن الغايات الروحية.

التغيير الحقيقي يجب أن يبدأ من داخل الفرد، وهو أمر لا يتحقق فقط من خلال حفظ النصوص، بل من خلال فهم تلك النصوص وتطبيقها. فالدين لا يقتصر على تلاوة الآيات بل على ترجمة معانيها إلى سلوكيات ملموسة في حياتنا اليومية. كيف يمكن أن يكون شخصًا مؤمنًا وهو لا يطبق مبادئ الدين في أخلاقه وتعاملاته مع الآخرين؟ كيف يمكن أن يكون مجتمعًا دينيًا إذا كان يُقيّم الأفراد على مقدرتهم في حفظ القرآن دون أن يكون لذلك تأثير في سلوكياتهم؟

تحتاج المسابقات الدينية إلى إعادة تقييم من حيث الأولويات. يجب أن تركز الفعاليات على تحفيز المشاركين على فهم معاني القرآن الكريم وتطبيقها في حياتهم، بدلاً من الاقتصار على الحفظ والتلاوة. يجب أن يكون الهدف الأسمى هو إحداث تغيير حقيقي في الشخص والمجتمع، بحيث يصبح الدين ركيزة في حياة الناس اليومية، ويؤثر في سلوكهم ومعاملاتهم.

إن الدين ليس وسيلة لتحقيق مكاسب مادية أو اجتماعية، بل هو دعوة صادقة للنمو الروحي والتطور الأخلاقي. إذا أردنا بناء مجتمع قوي، فلا بد من أن يكون هذا البناء قائمًا على الفهم العميق لقيم الدين وتطبيقها بشكل حقيقي. إذ لا يكفي أن نحفظ القرآن الكريم إذا لم نترجم ذلك إلى تصرفات عادلة وملتزمة بالقيم الإنسانية. لذلك، يجب أن نتحرك نحو مسار جديد في التعامل مع الدين، مسار يضع الفهم والتطبيق في أولوياته ويعزز من تأثير الدين في حياتنا اليومية، ليكون بذلك عاملًا حقيقيًا للتغيير في مجتمعنا.

زر الذهاب إلى الأعلى