السلطة في المنفى: حكومة اللاجئين ومسرحية الدولة المفقودة

yf2025-01-07_21-02-58_943123-150x150

Author Icon فتحي أبو النصر

مارس 3, 2025

في عالم السياسة اليمنية، لا شيء أكثر إثارة للسخرية من الحديث عن "الشرعية" وهي تتجول في العواصم الأجنبية كفرقة مسرحية جوالة، تؤدي أدوارها بحماسة أمام جمهور دولي لا يفقه الكثير عن طبيعة المشهد.
بل لعل من أكثر المشاهد عبثية هو أن تجد حكومتك في منفى اختياري، ثم تطلب منها أن تمارس سلطتها على شعب لا يعرف حتى شكل وزرائها، بينما أعداؤك يحكمون قبضتهم على البلاد بكل وقاحة، يمارسون القمع، يجمعون الأموال، ويوزعون المناصب كما لو أنهم الورثة الشرعيون للوطن.

لكن الأسوأ من هذا كله أن الحكومة "الشرعية" ليست مجرد ضحية ظروف، بل باتت متواطئة مع واقع النفي.
بل فد وجدت أن الغربة مريحة، والفنادق الفاخرة أكثر دفئا من شوارع اليمن المنهكة بالحرب.
ثم يأتي السؤال القاتل: لماذا يجب على الشعب أن يموت جوعا بينما "قيادته" تتلقى رواتبها بالدولار والسعودي والإماراتي في منافيها الوردية؟
نعم ، لماذا يجب أن يبقى الجندي في الجبهة دون راتب بينما السياسي في الفندق الفاخر يتحدث عن "النضال"؟

أما عن مجلس النواب، فحدث ولا حرج! هل سمعتم عن برلمان لا ينعقد؟ نواب لا يجتمعون إلا في مقاهي القاهرة وإسطنبول والرياض وابوظبي وعواصم أخرى، يتجادلون في قضايا لا علاقة لها بواقع اليمن؟
نعم ، لقد تحول البرلمان اليمني من مؤسسة تشريعية إلى "مجلس للأعيان المغتربين"، أشبه بلجنة استشارية غير رسمية تجتمع عند الضرورة، وليس عند الحاجة الوطنية الملحة.

المفارقة المضحكة هي أن بعض هؤلاء النواب يتقاضون مرتبات من ميزانية الدولة التي يدعون تمثيلها، رغم أنهم لم يعودوا إليها منذ سنوات!
وهل يمكن لعاقل أن يتخيل برلمانا يعقد جلساته في الخارج ويطالب الناس بالصبر؟
بل هل يمكن احترام سلطة تشريعية لا ترى من الوطن إلا عبر شاشات التلفاز؟

الحقيقة أن أي دولة لا يمكن أن تُحكم عن بُعد. وكذلك لا يمكن بناء شرعية دون تواجد فعلي في الأرض. الحكومات والبرلمانات التي تحترم نفسها تواجه الأزمات من الداخل، لا من فنادق المنفى.
نعم ، من غير المقبول، بأي معيار سياسي أو أخلاقي، أن يستمر الوضع بهذه المهزلة.
من لم يعد إلى الوطن لا يستحق راتبا، بل لا يستحق منصبه من الأساس. و إذا لم تكن لديك الشجاعة لمواجهة المخاطر مثل بقية أبناء الشعب، فمن الأفضل أن تتنحى وتترك المجال لمن يملك الجرأة ليحكم اليمن من داخلها.

والواقع أن ما نحتاجه اليوم ليس حكومة "زووم" أو برلمان "الواتساب"، بل سلطة فعلية على الأرض.
نعم ، يجب أن يعود الجميع، أو أن يُجبروا على العودة، أو أن يُفصلوا نهائيا.
فلن تتعافى اليمن إلا إذا استعادت مؤسساتها الفعلية، وعادت الشرعية إلى الداخل، لا أن تظل عالقة بين المساومات والمجاملات الدولية التي تستهلك الوقت والمال بلا جدوى.

لنخلص الى أنه، إذا كان البعض من المسؤولين يعتقد أن بإمكانهم إدارة اليمن من خارجها، فالأولى ان يبقى الشعب اليمني بلا حكومة ولا برلمان!

زر الذهاب إلى الأعلى