زيلينسكي في مواجهة ترامب.. واليمن في مواجهة "السفراء"!
قبل ساعات وقف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، يواجه دونالد ترامب ونائبه، في مشهد لم يسبق له مثيل في التاريخ السياسي الحديث.
و لم يكن في اجتماعهما مجاملة دبلوماسية، بل معركة كلامية شرسة، الأولى من نوعها ، اذ رفض زيلينسكي التوقيع على اتفاقية المعادن دون ضمانات أمنية لبلاده، متحديا الضغوط الأميركية الصارمة.
والشاهد أن ترامب، بنرجسيته المتضخمة، لم يحتمل أن يرى قائدا من دولة أصغر يرفض أوامره، فرد عليه بتصريحات متعجرفة، محاولا إهانته وتقزيم موقفه، لكن زيلينسكي صمد، ولم ينحنِ.
وطبعا من تابع تلك المواجهة شعر بوضوح أن زيلينسكي ليس مجرد رئيس دولة، بل مقاتل يدافع عن قضية بلاده بصلابة، مستندا إلى إرادة شعبه، لا إلى "أوامر" أو "إملاءات" خارجية.
هذا الموقف أحرج ترامب أمام العالم، وكسب تعاطف العالمين الذين رأوا كيف تُهان الدول الصغيرة عندما ترفض السير وفق المخططات الأميركية.
لكن ماذا عنا كيمنيين؟ هل يمكننا أن نحلم بمشهد مماثل؟ اعني هل يمكننا أن نتصور رئيسا يمنيا يرفع صوته في وجه من يظن أنه "الوصي" علينا؟
الحقيقة أن اليمن لم يُترك ليحكمه رئيس، بل تحول إلى ساحة نفوذ تدار عبر "سفراء"، بينما الفاعلون الحقيقيون في الداخل يكتفون بدور الموظفين، يتنافسون على إرضاء الخارج أكثر مما يهتمون بإنقاذ بلادهم من الانهيار.
عشر سنوات مضت منذ انقلاب الحوثيين، وعشر سنوات أخرى سبقتها من الأزمات والانتقالات المشوهة، وخلال كل هذا الوقت لم نشهد مشهدا واحدا شبيها بموقف زيلينسكي، لا في صنعاء، ولا في عدن، ولا في أي عاصمة أخرى.
نعم ، لم نسمع عن مسؤول يمني يرفض علنا إملاءات التحالف، أو يضع شروطا لاستمرار الدعم العسكري والسياسي، بل على العكس، اعتادوا تلقي الأوامر كأنها "تعليمات إلزامية"، وصار من الطبيعي أن يكون القرار اليمني مرتهنا ليد الخارج.
والشاهد أن زيلينسكي لم يكن زعيما اسطوريا قبل الحرب، ولم يكن "الرئيس المثالي" قبل الغزو الروسي، لكنه أدرك أن القيادة الحقيقية تُصنع في الأزمات، لا في المؤتمرات الصحفية والخطابات الإنشائية.
فعندما تعرضت أوكرانيا للغزو، لم يبحث عن وسيط لإنقاذه، ولم يهرب إلى عاصمة صديقة، بل ظل في كييف، يرتدي زيه العسكري، يرفع من معنويات شعبه، ويواجه العالم بكل ما لديه من قوة دبلوماسية وسياسية وعسكرية.
أما في اليمن، فالمشهد مختلف تماما. الحرب التي فرضها الحوثيون لم تواجهها الشرعية بقوة مماثلة، بل غرقت في مستنقع الخلافات الداخلية، والتنازلات المتتالية، والتسابق على الولاء للخارج بدلا من توحيد الصف الوطني. النتيجة؟ الحوثيون باتوا أمراء الحرب، يفرضون شروطهم، بينما الحكومة الشرعية تتلقى الصفعات السياسية والعسكرية، ثم تكتفي ببيانات التنديد.
على إنه لا يمكن تجاهل دور الولايات المتحدة في هذه المعادلة.
ترامب، مثل بايدن، ومثل أوباما قبله، لم يكن مهتما بحل الأزمات بقدر ما كان يسعى لإدارتها وفق مصالح بلاده.
بل في حالة أوكرانيا، كانت واشنطن مستعدة لدعم كييف عسكريا واقتصاديا، لكن وفق شروطها، وبدون منح الأوكرانيين القدرة على التصرف بحرية تامة.
أما في اليمن، فالأمر كان أكثر سوءا. الإدارة الأميركية لم تكن فقط غير مكترثة بمعاناة اليمنيين، بل ساهمت في تعقيد الأزمة عبر سياساتها المتناقضة: تدعم التحالف العربي في البداية، ثم تضغط عليه لاحقا، وتدعو للحل السياسي بينما تترك الحوثيين يلتفون على أي اتفاق، وتفرض عقوبات ثم ترفعها كأن شيئا لم يكن!
في الحقيقة اليمن يحتاج إلى زعيم يشبه زيلينسكي في صلابته، وليس في تفاصيل تجربته.
زعيم يفهم أن القوة لا تأتي من استجداء الدعم، بل من الإرادة الداخلية.
زعيم لا يخشى أن يقول "لا" إذا كانت المصلحة الوطنية تقتضي ذلك، ولا يقبل أن يكون مجرد تابع لسياسات الآخرين.
لكن هل فعلا يمكن أن نرى يوما مشهدا شبيها بموقف زيلينسكي في البيت الأبيض أو الرياض أو أبوظبي، فيما يقف قائد يمني أمام التحالف العربي أو واشنطن أو أي جهة أخرى، ويقول لهم: "نحن نقدر دعمكم، لكننا لن نكون تابعين لكم"؟ أم أننا سنبقى عالقين في متلازمة "السفراء"، حيث لا قرارات تُتخذ إلا بمباركة خارجية، وحيث أي موقف وطني يُعتبر مغامرة غير محسوبة؟
والحال: الأوكرانيون قاتلوا حتى بأظافرهم، لأنهم وجدوا قيادة تحفزهم على القتال.
أما نحن، فظلت الشرعية تحصي الهزائم، لأن قيادتها لم تمنح الناس سببا كافيا للنضال.
وبين زيلينسكي، الذي رفض الانحناء، والقيادات اليمنية التي لم ترفع رأسها اصلا، يظهر الفرق بين من يقاتل لأجل وطن، ومن يقاتل لأجل رضى الآخرين.
فيما كان عليهم وبكل وضوح وحزم الحديث مع سفراء الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والأهم دول التحالف العربي " إذا كنتم تعتبرون أمنكم مهما، فيجب أن يكون لنا وزن وشراكة حقيقية، لا مجرد تبعية. إذ أن إيران لا تمزح، والحرب ليست نزهة، ولا يمكن خوضها بسياسات مترددة وشبهات تفاوضية تتيح للعدو التقاط أنفاسه بينما نخسر المزيد من الأرض والدماء والتدهور.
لكن للأسف، بدلا من هذه اللغة الحاسمة، فضلت الشرعية لعب دور التابع الصامت، بينما التحالف يتأرجح بين حساباته الإقليمية، وأمريكا وبريطانيا تواصلان استراتيجيتها الغامضة التي تمنح الحوثيين هامشا واسعا للمناورة.
لنخلص إلى أن من لا يفرض نفسه كند وشريك، سيظل مجرد أداة في يد الآخرين، تُستخدم حين الحاجة وتُهمل حينما تتغير المصالح!