/ ماذا حققت الأحزاب؟ ماذا حقق المسؤولون
منذ اندلاع ثورة فبراير، ونحن نحمل في قلوبنا آمالا وطموحات لا حدود لها. كانت الثورة في بدايتها حلما مشتركا لكل اليمنيين، حلما بالحرية، بالعدالة، وبالكرامة.
حلما بتغيير واقع مرير شهدناه طيلة سنوات طويلة تحت وطأة الاستبداد والفقر والفساد.
كنتُ أرى في عيون شبابنا الأحلام، وفي حماستهم رغبة حقيقية في التغيير.
ولكن، ماذا حدث بعد ذلك؟ أين ضاعت كل تلك الأمنيات؟ هذا ما يجعلني أشعر بالحزن والغضب العميق.
فبعد مرور أكثر من عشر سنوات على ثورة فبراير، أصبحنا نشهد أن تلك الأحلام والامنيات قد تكسرت على صخور الواقع.
نعم، فقدنا أنبل شبابنا في المعارك والحروب، ضحوا بحياتهم من أجل احلام وأمنيات سرعان ما تبخرت.
كان لديهم إيمان بأن اليمن يستحق الأفضل، ولكنهم للأسف أصبحوا ضحايا لأطراف سياسية لا هم لها سوى مصالحها الخاصة.
كنتُ أتمنى أن يبقى الشهداء في ذاكرتنا كنموذج يُحتذى به، لكن الواقع يقول العكس، فقد تم تهميشهم ونسينا تضحياتهم في خضم الأحداث المستمرة.
وأما عن المسؤولين الذين أتوا بعد الثورة، فهؤلاء هم أسوأ ما يمكن أن يحدث لهذه البلاد.
فالأوغاد الذين اجتمعوا حول السلطة، وركبوا موجة الثورة دون أن يكون لديهم أدنى اهتمام بمستقبل الوطن والشعب. بل إن الكثير منهم حولوا الثورة إلى فرصة لتحقيق مصالحهم الشخصية أو الطائفية، في حين بقيت المعاناة ترافق كل اليمنيين من دون حلول جادة.
ولكن أسوأ ما في هذا المشهد، هو أن بعض الأحزاب المعارضة قد استغلت أحلامنا.
نعم، استغلت تلك الأمنيات والاحلام التي ضحينا من أجلها، وسرعان ما نسوا مطالب الناس الحقيقية، ليقوموا بتسوية أوضاعهم المعيشية والاقتصادية من أموال التحالف العربي. الأموال التي كانت مخصصة لدعم اليمن، أصبح جزء كبير منها في جيوب من لم يكن همهم سوى تكريس مصالحهم الشخصية.
والحال أن هؤلاء لم يشعروا بتغيير، ولا أدري كيف يمكنهم أن يناموا مرتاحين في لياليهم وهم يعلمون أن فقراء اليمن يعيشون في جحيم، بينما هم ينعمون بالثراء.
نعم ، فالمسؤولين الذين يقيمون في الرياض، هم اليوم يمثلون أسوأ رموز السلطة المترهلة في اليمن.
لماذا لا يمارسون السلطة من داخل اليمن؟
لماذا لا يعيشون مع الشعب الذي يتحدثون باسمه؟
لماذا يختارون العيش في بلد آخر بينما اليمن يُذبح يوما بعد يوم؟
ألا يشعرون بالخجل من ذلك؟
وهل يعتقدون أن مجرد وجودهم في الرياض سيجعلهم في مأمن من غضب الشعب اليمني؟
الحقيقة أن غيابهم عن الساحة اليمنية يجعلهم يظهرون وكأنهم بعيدون عن الواقع، بعيدون عن معاناة الناس وآلامهم. فكيف يمكن لأولئك الذين لا يعرفون واقع الشعب أن يدعوا أنهم يخدمون مصلحته؟
ولقد تجاوزوا كل حدود الفساد، فكل من تسلم منصبا أصبح يتاجر بمصالح الشعب من أجل بناء إمبراطوريات اقتصادية خاصة به، بينما الناس لا يجدون قوت يومهم.
صدقوني إنها منظومة من الفساد المقزز الذي لا يمكن السكوت عليه.
فالمواطن اليمني لا يشعر بأي فرق بين الحكومات المتعاقبة، فكلهم سواء في نهب الثروات والموارد.
وكأن الشعب لم يعد سوى وسيلة لتحقيق مكاسب فئة معينة، أغلبيتها تقيم خارج اليمن، وما أبشع ذلك!
كما وفي الوقت الذي ينشغل فيه السياسيون في تمتين سلطاتهم على حساب الدماء الزكية، يزداد المواطن اليمني قهرا وحزنا.
نعم ، كيف لا يكون الحزن في القلب عندما ترى أطفالك يتسولون في الشوارع، وعائلات بأكملها لا تستطيع توفير طعام يومها؟
كيف لا يكون الغضب في النفس عندما ترى أن الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم دون أي حلول حقيقية؟
ورغم كل ذلك، نحن هنا نكمل معركة البقاء، نأمل أن يأتي يوما تشرق فيه شمس العدالة.
لكن، ما يدمي القلب أن هؤلاء الذين يتاجرون بآلامنا وأحلامنا، يظلون بعيدين عن الواقع، يعيشون في رفاهية وراحة، في الوقت الذي لا نملك فيه سوى الصبر والصمود.
أما هم فلا يهمهم حتى أن امتدت الحرب عشر سنوات أخرى.
بل إنه لمن المؤلم حقا أن نرى هذا التفكك السياسي الذي يحيط بنا.
نعم، ماذا حققت الأحزاب؟ ماذا حقق المسؤولون؟ وماذا قدمت الحكومة في ظل هذا الوضع المأساوي؟
ببساطة شديدة لقد ضاعت فرص بناء دولة حقيقية، وحلت محلها تحالفات هشة وأزمات مستمرة.
فيما الشعب لا يطلب أكثر من حياة كريمة، لا يطلب سوى الفرصة ليعيش بسلام، ولكنه يجد نفسه في مواجهة مستمرة مع قوى سياسية لا هم لها سوى تحقيق مصالحها على حساب معاناة شعب بأسره.
ومع كل هذا الألم، لا يسعني إلا أن أقول: اللهم اجعل من هذا الحزن قوة، ومن هذا الغضب دافعا للتغيير.
فالواقع لن يتغير ما لم يكن لدينا تصميم حقيقي على إحداث الفرق، وما لم نتحد جميعا من أجل اليمن. ونترك الخصومة السياسية جانبا.
ولكن الحقيقة المرة تبقى أن بلادنا أصبحت رهينة الفساد والفوضى، وأن الأمل في التغيير أصبح حلما بعيد المنال.