ترامب، التهجير والوصاية.. هل يستحق جائزة نوبل للسلام؟
في عالم السياسة، تتجلى أبشع الجرائم تحت ستار الشعارات البراقة. تُرفع رايات السلام، بينما يُستقبل القتلة في قاعات الزعماء، ويُدعم مجرمو الحرب دون خجل.
في هذا السياق، يسعى دونالد ترامب للحصول على جائزة نوبل للسلام، رغم أنه يحتضن شخصيات متهمة بجرائم إبادة جماعية، مثل نتنياهو الملاحق من قبل محكمة الجنايات الدولية، ويدعم سياسات التهجير والوصاية التي تمثل تطهيرًا عرقيًا لشعب بأكمله، وتهدد استقرار المنطقة بأسرها. فكيف يمكن التوفيق بين هذه الأضداد؟
وهل أصبح السلام مجرد شعار أجوف يُستخدم عند الحاجة؟
في الوقت الذي يُصدر فيه ترامب قرارات تنفيذية بالانسحاب من المؤسسات الحقوقية الدولية، مثل منظمة حقوق الإنسان و"الأونروا"، تُرفع شعارات حقوق الإنسان والسلام، بينما يتم حرمان الفلسطينيين من أبسط مقومات الحياة، ويُقدَّم الدعم الكامل لمجرم حرب متورط في قتل وتشريد مئات الآلاف من الأبرياء. هل بات السلام مجرد ورقة تفاوضية تُستخدم لتحقيق المصالح السياسية، بينما يبقى العنف وسفك الدماء هو الخيار الفعلي في الخفاء؟
أي منطق هذا الذي يسمح لشخص أن يدعو للسلام بيد، ويدعم آلة القتل باليد الأخرى؟
في عالم تُباع فيه المبادئ بثمن بخس، تُستقبل الشخصيات الملطخة أيديها بالدماء كضيوف شرف وكزعماء، بينما تُحجب أصوات الضحايا الذين دفعوا ثمن هذه السياسات الجائرة. لم تعد السياسة قائمة على القيم الإنسانية، بل تحولت إلى سوق للمصالح، حيث تُعقد الصفقات والمتاجرة بالدماء ونهب الثروات على حساب حقوق الشعوب وكرامتها.
كيف يمكن للعالم أن يتحدث عن السلام بينما يتم التواطؤ مع القتلة؟
جائزة نوبل للسلام تُمنح لمن يكرس جهوده لتحقيق العدل والحرية وحق الشعوب في العيش بسلام.
لكن، هل يُمكن أن يُمنح هذا اللقب لمن يغض الطرف عن الجرائم الفظيعة التي تُرتكب باسمه؟
كيف يمكن لمن يُشعل الحروب ويدعم الاحتلال أن يكون رمزًا للسلام؟ إن كان السلام اليوم يُمنح لمن يُغذي النزاعات، ويدعو للتطهير العرقي، ويكافئ القتلة، فماذا يتبقى للضحايا الذين فقدوا أوطانهم وبيوتهم وذكرياتهم وأحلامهم؟
جاء تصريح ترامب الأخير ليكشف بوضوح عن نواياه الحقيقية. فقد أثبت أنه لا يسعى لإنهاء الحروب كما ادّعى أثناء حملته الانتخابية – لقد نكث بها في تصريحه "القنبلة" البارحة – بل يعمل على إشعالها من خلال أفكاره العنصرية والاستعمارية.
يريد التهجير القسري للفلسطينيين، ويسعى لفرض الوصاية على أراضيهم وممتلكاتهم. لم يتردد في وصف غزة بأنها "مدمرة ولا تصلح للحياة"، مدعيًا أن من سيبقى فيها سيموت. فهل هناك استخفاف أكثر من هذا بحياة البشر؟
فإن كان يوم السابع من أكتوبر قد كان فظيعًا، فما الذي يمكن أن يُقال عن خمسة عشر شهرًا من الدمار والتقتيل والتجويع؟
حتى وإن لم يكن ترامب رئيسًا وقت اندلاع الحرب، إلا أن تصريحاته الأخيرة تثبت أنه شريك في الجريمة، فهو يتباهى بشرعنة القدس عاصمة للكيان ونقل سفارة أمريكا إليها، وأقر بضم الجولان السوري، ولا يزال يشرعن التهجير والتطهير العرقي، ويُبرر السياسات الإجرامية وكأنها مجرد قرارات سياسية عابرة.
إنه لا يمثل مجرد زعيم سياسي، بل تاجر يتاجر بدماء الأبرياء، ويبيع الوهم لمناصريه. تصريحاته السطحية والتجارية تكشف أنه ليس فقط سياسيًا فاشلًا، بل يساهم في تشجيع المزيد من العنف، وقد يتحول، إن استمر في نهجه، إلى أكبر مجرم سياسي في العالم.
التاريخ لن يرحم من تواطأ مع الظلم، ولن ينسى من وقف إلى جانب المجرمين، كما لن ينسى من دفع ثمن هذه السياسات بدمائه وحياته.
قد يتمكن البعض من تلميع صورهم مؤقتًا، لكن الحقيقة لا تُمحى. ترامب، مهما حاول تبرير أفعاله، سيظل في صفحات التاريخ رمزًا لهذا التواطؤ المقيت، وستشهد أقواله وأفعاله عليه.
لقد تجاوز تصريح ترامب كل الحدود، ولم يعد الصمت خيارًا. إن التهجير والوصاية ليسا مجرد كلمات عابرة، بل هما مخططات تهدف إلى محو الحقوق وسلب الأوطان.
آن الأوان للأمة العربية شعوبًا وأنظمة أن تنتفض، أن تتخذ موقفًا موحدًا، وترفض هذا العبث بمصير شعوبها، وتقف سدًا منيعًا في وجه هذه المخططات الاستعمارية الجديدة.
لا بد أن تتحول الإدانات إلى أفعال، وأن تُترجم المواقف إلى قرارات حاسمة تُعطل تنفيذ هذه المخططات، وتؤكد أن فلسطين ليست للبيع، وأن كرامة الأمة ليست محلًا للمساومة.
في هذا السياق، لا يمكن إلا أن نثني على المملكة العربية السعودية، التي لم تتأخر في الرد على هذه المخططات، وأكدت موقفها الثابت والداعم للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى. فمنذ تأسيسها وحتى اليوم، تواصل المملكة دعم حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس – كما جاء في بيان وزارة الخارجية السعودية – وفق مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، مع تأكيدها الدائم على ضرورة إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام العادل والشامل. وبيانها هذا فنّد زعيم الافتراء ترامب باسمها!
فيا أمة المليارين، ليست غزة وحدها هي المستهدفة، بل الضفة الغربية وسوريا ولبنان والأردن ومصر، وربما السعودية والمقدسات أيضًا.
إن ما يحدث اليوم يستدعي موقفًا عربيًا موحدًا، لمواجهة هذه السياسات التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها.
آن الأوان لأن يتحرك النظام العربي الرسمي وقواه الحية بجدية، وأن يقطع من لديه علاقات مع دويلة الكيان الصهيوني، وأن يوقفوا الهرولة نحو التطبيع.
وبخاصة، بعد أن أعلن ترامب بنفسه يوم أمس، أن خمسين سنة من سياسات السلام لم تكن مفيدة، ويتوهم أنه قادر على فرض مشروعه الجديد بوضع اليد على غزة بعد تهجير أهلها، ليحولها إلى "ريفيرا الشرق"، معتقدًا أنه بذلك لسلام جديد ودائم. أي استخفاف هذا بعقول الناس؟ وأي وقاحة تجعله يتحدث عن السلام فوق أنقاض مدن مدمرة، وجثث الأبرياء؟
بعد كل ما قيل، يبقى السؤال مطروحًا: هل يستحق ترامب جائزة نوبل للسلام؟ أم أنه مجرد تاجر حرب يواصل استثماره على أنقاض غزة ودماء شعبها الأحرار الثابتين والمرابطين، ويجب إفشاله وإحباطه؟