لا ديمقراطية لاحقاً إذا لم تكن من البداية

Author Icon حسين الوادعي

فبراير 3, 2025

اليمني الجديد

‏كم مرة سمعنا عبارة: “نبني الدولة أولًا.. وبعدها كلمونا عن الحرية والديمقراطية!”؟ وكأن الدولة كتلة خرسانية بحاجة إلى إسمنت وحديد، ثم نقرر لاحقًا إن كنا سنضيف إليها شيئًا اسمه “الديمقراطية”!

هذا المنطق العجيب يُستخدم منذ سنوات لتبرير الإقصاء والاستبداد، تحت ذريعة أن “التأسيس أولًا”، وكأن الدولة يمكن أن تكون مجرد هياكل بلا روح أو مضمون. المشكلة هنا أن الدولة ليست مبنى حكوميًا من عدة طوابق، بل هي كيان ذو قيم، وأيديولوجيا، ونظام حكم، فكيف نؤسس شيئًا لا نعرف طبيعته؟

أساس البناء: مضمون الدولة!

عندما نؤسس دولة، لا يمكن أن يكون السؤال الأول عن عدد الوزارات، بل عن طبيعة الدولة نفسها:
• هل ستكون ديمقراطية أم استبدادية؟
• مدنية أم دينية؟
• مركزية أم فيدرالية؟
• تحكمها مؤسسات، أم مزاج الحاكم الملهم؟

تجاهل هذه الأسئلة يعني أننا نبني بناء ثم نقرر لاحقًا إن كنا سنستخدمه كمستشفى أم سجناً!

الحوكمة وسيادة القانون: من يراقب من؟

هل سيكون القانون أداة لتحقيق العدالة أم مجرد وسيلة لمعاقبة المعارضين؟ في الدول الديمقراطية، القوانين تخدم الناس، أما في الدول المستبدة، فالناس هم الذين يخدمون القوانين.. فكيف نضع القوانين دون معرفة طبيعة الدولة ودون وجود حريات وتمثيل شعبي واسع ورقابة مدنية على السلطة؟!

الاقتصاد: دولة بلا رؤية أم سوق للمحسوبية؟

لا يمكن أن يكون هناك اقتصاد ناجح دون رؤية واضحة: هل نتبنى الرأسمالية، الاشتراكية، أم خليطًا غير مفهوم من الاثنين؟ أم أننا سنواصل العمل بمنطق “اقتصاد السوق السوداء” حيث تزدهر الصفقات المشبوهة أكثر من المشاريع الحقيقية؟فكيف نبني الدولة أو ننجح المرحلة الانتقالية دون الاتفاق مسبقا على النظام الاقتصادي المرغوب؟

الأمن والعدالة: جيش لحماية الوطن أم لحماية السلطة؟

الأمن الحقيقي هو الذي يحمي المواطن، لا الذي يجعله يخشى النزول إلى الشارع خوفًا من الاعتقال العشوائي. الدولة لا تُبنى بجيش طائفي ولا بأجهزة أمنية تتحول إلى ميليشيات مقنعة، بل بمؤسسات وطنية تحترم القانون وتطبق العدالة. فكيف نبني جيشا وأمنا ونحن لم نتفق على طبيعته واستقلاله؟

الخدمات العامة: تعليم لصناعة المستقبل أم لصناعة التبعية؟

هل نريد تعليمًا يبني العقول، أم تعليمًا يحوّل المدارس إلى معسكرات لترديد الشعارات؟ وهل ستكون الصحة والخدمات الاجتماعية حقوقًا للجميع، أم امتيازات لمن يملك “الواسطة”؟ التعليم نابع من مضمون وايديولوجيا الدولة، فكيف ستبني مؤسسات تعليمية دون معرفة نوع التعليم الذي سيكون؟

الهوية والمواطنة: وطن للجميع أم نادٍ مغلق؟

النسيج الاجتماعي ليس زينة تعلق على الجدران، بل هو أساس الاستقرار. إشراك جميع الفئات والطوائف في بناء الدولة هو الحل، أما الإقصاء والتمييز، فهما الطريق الأسرع نحو الفوضى والانهيار.ومفتاح بناء الهوية الوطنية هو الحرية والشراكة في بناء الدولة.

الخلاصة: لا ديمقراطية لاحقًا إن لم تكن جزءًا من البداية

كل ما يُبنى في المرحلة الانتقالية سيبقى لسنوات، بل ربما لعقود. فإما أن نؤسس لدولة مدنية ديمقراطية قائمة على المواطنة والحريات منذ البداية، أو نقع أسرى كيان سلطوي يرفع شعارات كبرى، لكنه في الحقيقة مجرد سجن كبير.

أما فكرة “نبني الدولة أولًا ثم نفكر في الحقوق لاحقًا”، فهي كمن يقول: “سنعد العشاء أولًا.. وبعدها نقرر ماذا سنأكل!”

المصدر: منصة |X|
زر الذهاب إلى الأعلى