الانجرار الى لغة السياسة الشرعية

Author Icon حسين الوادعي

يناير 30, 2025

‏بصراحة، أنا عاجز عن معرفة مصادر ثقة المثقفين الضخمين برهان غليون وياسين الحاج صالح في "الإدارة" السورية الجديدة!
لطالما اعتمدت على تحليلاتهما للتعمق في الشأن السوري، لكن "إذا كان المتكلم مجنون فالمستمع عاقل" كما يقول المثل اليمني!

إدارة تمارس الإعدامات الميدانية وتصرح ببرنامجها الديني المتخلف وتهمش كل فصائل الثورة والمجتمع المدني وتعيد تشكيل الجيش والأمن والاقتصاد منفردة حول الولاء للقائد!

خليني أقول إن المثَقَفين الكبيرين يريان ما لا يراه العامة. لكن تصريحاتهما تثير الشجون والظنون.
ياسين الحاج صالح يتجنب قدر الإمكان مفردة الدولة الديمقراطية وبدأ يؤكد ثقته في الشرع وفي تأجيل الديموقراطية والانتخابات لمدة أطول من أربع سنوات( مزايدة على القائد!) ويقول أن سوريا تمضي نحو "حكم وطني عاقل"!
ولأن "وطني وعاقل" ليست مصطلحات صلبة لوصف نظام حكم ما، إلا أن ربطها بالثقة المطلقة في الشرع تطرح المعاني التالية:
وطني، بمعنى عدم تدخل سوريا في أي شأن خارجي وهو ما تؤكده الإدارة ليلا ونهارا. وعاقل، بمعنى أنه غير جهادي لكنه في نفس الوقت غير مدني ولا ديمقراطي. أي عاقل بنفس عقلانية النسخة الثالثة من الشرع( حكم اسلامي سلفي مُرشّد).

برهان غليون اكد أيضا ثقته المطلقة في الادارة بل وبدأ الحديث معها بنفس لغتها الدينية مستخدما حديث "الدِّين النَّصيحة، قلنا: لمَن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم. "!

الانجرار الى لغة السياسة الشرعية والأدبيات السلطانية ليس أمرا عابرا ، بل هو يعبر عن رؤية شاملة. فبدل المعارضة تحل "النصيحة" ، وبدل الحكم الديمقراطي تحل ثنائية "ائمة وعامة" ، وبدل المواطنين بكل أديانهم هناك "المسلمين ".

أتابع صالح وغليون منذ سنوات متابعة دقيقة تتيح لي تأكيد ان هناك تحولا جوهريا في خطابهما ورؤيتهما للعالم.
وافتتان المثقف بالسلطة ليس حادثا عابرا في تاريخ المثقفين.
افتتن هايدغر (الأب الروحي لأهم المدارس الفلسفية في القرن العشرين) بالنازية ورآها ضرورة لخلاص ألمانيا من الفوضي وفقدان الروح. وعندما حلل جورج أورويل سبب افتتان وتأييد عزرا باوند للفاشية قال إن السبب لم يكن أبدا المال او المنصب وانما مركب من الرغبة في المكانة والتعلق بالخلاص الوطني والسعى لدور كبير ومؤثر عن طريق قوة السلطة.

مرة أخرى، اتمنى أن أكون مخطئاً.

زر الذهاب إلى الأعلى