ابن رشد ام "افيروس"؟
هل يمكن تأسيس التفكير العلمي والعلمانية في المجتمعات الاسلامية ،اعتماداً على أفكار الفيلسوف الاندلسي أبو الوليد ابن رشد؟
سؤال قد يبدو غريبا للكثيرين، فما علاقة ابن رشد بالعلمانية ؟
صار من الأفكار المطروحة بقوة في تاريخ الفكر الأوروبي، أن فكرة العلمانية نشأت وتطورت لدى مفكري التنوير الاوربيين، ابتداء من القرن الثاني عشر بناء على افكار ابن رشد حول الاتصال بين الحكمة (الفلسفة) والشريعه (الدين) ،التي بثها في مؤلفه الفقهي الفلسفي (فصل المقال في تقرير ما بين الحكمة الشريعة من الاتصال)
كان الفقهاء قد أصدروا فتوى قاسية ضد الفلسفة ،وكفروا من يشتغل بها واعتبروها مخالفة الدين ولإجماع المسلمين، فألّف ابن رشد كتابه ليبين أهمية التفلسف والتآخي بين الدين والفلسفة.
رأى ابن رشد ان هدف الدين وهدف الفلسفة واحد: الحياة الفاضلة، لكن طرقهما مختلفة، فالفقهاء يصلون الى الحقيقة عن طريق الجدل والخطاب، والفلاسفة يصلون للحقيقة عن طريق البرهان والمنطق،فما يجيء به الدين حق وما تجيء به الفلسفة حق والحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له.
عندما ناقش ابن رشد ما الذي يجب أن نفعله، عندما يكون هناك تعارض بين العقل والنقل (بعبارة اخرى التعارض بين الدين والعلم)، كان رأيه واضحا وصارما أن العقل (العلم) يجب أن يكون هو الحكم لأن التعارض ناتج عن اختلاف في "التاويل".
وبما ان التأويل الفقهي ظني بينما التأويل العقلي (العلم) قطعي يقيني، فحل التعارض بينهما يكون بإعادة تاويل (تفسير) النص الديني، بما يتلاءم وما وصل اليه العقل.
هذا هو مختصر فلسفة بن رشد التي كانت كفيلة (لو لم يتم الانقلاب عليها)، بتأسيس التفكير العلمي وحرية الضمير في الواقع الاسلامي.
كيف تحولت نظرية ابن رشد حول "الحقيقة الواحدة" الى نظرية "الحقيقتين" وبالتالي الفصل بين الحقيقة الدينية والحقيقة العلمية، أو بمعنى اوسع الفصل بين الكنيسة والدولة (العلمانية).؟
تحول اسم ابن رشد في رحلته الأوربية إلى "افيروس". وقد طور الفلاسفة الأوربيون نظرية الحقيقتين، فقالوا بوجود "حقيقة دينية" و"حقيقة علمية" ،وإن لكل حقيقة وجودها المستقل، وبالتالي لا ضرورة للتوفيق بينهما وإنما الاعتراف باستقلالهما وشرعيتهما.
انطلاقا من فكرة "الحقيقتين" تم الانتقال الى مبدأ العلمانية (فصل الدين عن الدولة) و(فصل الدين عن العلم) ، العلم الحديث القائم على المشاهدة والتجربة والاعتراف بحرية التعبير وتعدد ح دون كهنوت أو قسر.
كان العالم الاسلامي يرفض افكار بن رشد ويحرقها، بينما كان العالم الأوربي يستقبلها بحفاوة ويبني عليها نهضته.
نعم..العلمانية المعاصرة تستمد جذورها من أفكار الفلسفة الاسلامية ،كما طورها ابن رشد في مناقشته للعلاقة بين الفلسفة والدين.
لكن عصر الانحطاط الاسلامي شكل قطيعة مع إمكانية فكرة العلمانية والفصل بين "الحقيقتين"، وتأسيس العلاقة بين الدين والعلم اعتمادا على مرجعية العلم،بل ان تشويه الوعي الديني والسياسي للمسلم المعاصر، أوصله الى قناعة وهمية حول وجود تعارض بين الدين والعلمانية.
ان ابن رشد يستطيع ان يقدم الكثير لعالم اسلامي، يحترق بالتطرف والصراعات الطائفية؟
هل نستطيع استعادة ابن رشد؟ والاستعادة هنا لا تعني فقط العودة الى "فصل المقال"، وأنما ايضا الاستفادة من تطوير الفكر الأوربي للفكر الرشدي؟
وأي حلول يمكن أن يقدمها لنا صاحب التوفيق بين الدين والفلسفة (على قاعدة مرجعية الفلسفة/العلم )لتأسيس حياتنا على المدنية والسلم الاجتماعي والعلم وحرية المعتقد والضمير؟