حدثان يستحقان الانتباه!!
تبدو التحركات الأخيرة لقيادات المجلس الانتقالي الجنوبي من داخل الشرعية اليمنية في أروقة الأمم المتحدة مثيرة جدًا للانتباه.
والأمر ذاته في منتدى (دافوس) حيث يشارك رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزُبيدي، وعمرو البيض، الذي لا صفة له في الدولة اليمنية، كممثلين لليمن بوفد جنوبي.
بينما يظهر دولة رئيس مجلس الوزراء والوفد المرافق له من الوزراء وغيرهم في نيويورك ضمن وفد يُفترض أنه حكومي، لكنه يُوصف بكونه ذو طابع جنوبي انفصالي.
هذا الاتجاه يطرح العديد من التساؤلات حول مدى انسجام الحكومة الشرعية، وما إذا كانت هذه المشاركات تمهد لترسيخ القضية الجنوبية في المحافل الدولية من داخل الشرعية نفسها.
ومن المثير للقلق أن الحكومة اليمنية، التي يُفترض أنها تمثل كل اليمنيين، قد تبدو في بعض المحافل وكأنها تكرس أجندات جهوية بدلًا من أن تعكس موقفًا وطنيًا موحدًا. فإذا كانت هذه الوفود تمثل الشرعية، فلماذا يغيب التنوع الجغرافي والسياسي عنها؟ ولماذا يُسلط الضوء على القضية الجنوبية بحسب (الوالي)، بينما تمر البلاد كلها بمرحلة مصيرية تتطلب وحدة الصف لا تعزيز الانقسامات؟
الحادثة الأولى، هي غياب وزير الخارجية عن اجتماع دعم اليمن، في حين يُعقد اجتماع وزاري دولي في نيويورك لدعم الحكومة اليمنية، إلا أن المثير للاستغراب هو غياب وزير الخارجية عن هذا الاجتماع المحوري!
فكيف يمكن لليمن أن تُقدّم رؤيتها الدولية دون حضور مسؤولها الأول عن السياسة الخارجية؟ إن هذا الغياب يثير تساؤلات حول مدى التنسيق داخل الحكومة، وما إذا كانت هناك جهات تتعامل مع الملفات الدبلوماسية بشكل فردي دون إشراك المختصين.
ومن غير المنطقي أن يُدار الملف الخارجي دون إشراك الوزارة المعنية، خاصة عندما يتعلق الأمر باجتماع يرعاه المجتمع الدولي لدعم اليمن سياسيًا واقتصاديًا. وكان من الأجدر أن تضم الحكومة ممثلين عن كافة القطاعات ذات الصلة لضمان تحقيق نتائج فعلية، بدلًا من أن يكون التمثيل محصورًا على شخصيات معينة قد تُعطي انطباعًا بعدم الشمولية!
إن الأمر يزداد غرابة عند النظر في تصريحات بعض المسؤولين الحكوميين، مثل وزير الخدمة المدنية عبد الناصر الوالي، الذي تحدث عن أن الوفد اليمني "كمضيف لا مستضيف" للاجتماع في الأمم المتحدة بالشراكة مع بريطانيا، مع تأكيده أن القضية الجنوبية هي جزء من الأولويات المطروحة! فهل أصبح للأمم المتحدة دور في تحديد مستقبل الجنوب بعيدًا عن إرادة كل اليمنيين؟
وأي خطط وبرامج وأولويات حكى عنها معالي الوزير في مسألة "الحل العادل للقضية الجنوبية وبما يرتضيه شعب الجنوب" في اجتماع دولي يُفترض أنه لدعم اليمن ككل؟
والأكثر إثارة للقلق هو ما ورد في حديث وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمملكة المتحدة "هاميش فالكونر"، الذي أشار إلى أن الحكومة اليمنية قدمت رؤية واضحة لمستقبل البلاد. فكيف يمكن للحكومة أن تقدم رؤية لمستقبل اليمن دون إشراك جميع مكوناته؟
وهل يملك وفد معيَّن، مهما كان حجمه، الحق في رسم ملامح المرحلة القادمة بمعزل عن بقية القوى السياسية والمجتمعية؟
كما أن هناك تساؤلًا آخر حول خطة الحكومة، والتي من بينها المطالبة بالتعويض عن توقف تصدير النفط والغاز بسبب الاعتداءات الحوثية على المنشآت النفطية. فبدلاً من مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف هذه الاعتداءات، تسعى الحكومة للبحث عن بدائل لتعويض الخسائر، وكأنها تسلّم بالأمر الواقع!
أليس من الأجدر بالحكومة أن تتخذ موقفًا أكثر صرامة لمواجهة هذا التحدي بدلًا من التكيف معه؟
أما الحادثة الثانية، فهي إرجاع مبالغ لحجاج العام الماضي من قبل وزارة الأوقاف والإرشاد، وهي سابقة من نوعها. فوزير الأوقاف يأمر بإعادة أموال للحجاج! هذا الأمر حدث بالفعل، ولم يطالب أي حاج به. وأثبت معالي الأخ الدكتور الوزير الشيخ محمد عيضة شبيبة عكس المثل اليمني الشائع: "لن يرجع من مكة دقيق!"، ولكن وزير الأوقاف والإرشاد أثبت العكس بتوجيهه بإعادة مبلغ 15 مليون ريال سعودي لحجاج العام الماضي.
هذه المبالغ كانت قد استُقطعت مسبقًا لتطوير دورات المياه في مخيمات منى، إلا أن المشروع لم يُنفَّذ بسبب عدم موافقة الجهات المعنية لضيق الوقت، إضافةً إلى خدمات أخرى تعذَّر تقديمها أثناء موسم الحج.
وهذا التوجيه والقرار يدل على شفافية ونزاهة الوزير وطاقمه الذي يعمل معه، ويعمل حاليًا على وضع آلية تضمن وصولها إلى كل حاج دفع العام الماضي. إذ وجَّه معاليه قطاع الحج والعمرة في الوزارة باتخاذ الإجراءات العاجلة لتنفيذ ذلك، ويستحق الشكر عليه.
أختم فأقول:
ما يحدث داخل الحكومة اليمنية يدعو إلى القلق، سواءً من حيث طبيعة تمثيلها في المحافل الدولية أو غياب التنسيق بين وزاراتها الرئيسية. فإذا كانت الحكومة تسعى لتحقيق دعم دولي حقيقي، فعليها أولًا أن توحد رؤاها الداخلية، وتضمن مشاركة كافة مكوناتها، بدلًا من أن تظهر وكأنها تُدار بعقلية الجهوية والانقسامات. اليمن بحاجة إلى صوت موحد، وليس أصواتًا متفرقة، كل منها يسعى لتحقيق أجندته الخاصة!
فيا كل الشرعية، اليمن ليس في وضع يسمح برفاهية الاجتماعات والورش والتدريبات! ومن العيب أن نطالب المجتمع الدولي بمساعدتنا في كيفية إدارة مؤسساتنا، وكيفية التفاوض فيما بيننا، وكيفية إقناع بعضنا البعض بقبول الانفصال!
اليمن اليوم بحاجة إلى حكومة حرب تستعيد الدولة من الانقلابيين الحوثيين، وبعد ذلك، كل شيء سيحل بالحوار على الطاولة أو بقرار من الشعب اليمني... أتفهمون؟!
جدير هنا أن نثني ونشيد بخطوة معالي الدكتور محمد عيضة شبيبة، وزير الأوقاف والإرشاد، التي تُعد سابقة نادرة وغير مألوفة، تعكس شفافية الوزير ونزاهته. فهنيئًا للحكومة والمسؤولين بمثل هذه النماذج المشرفة!