التفاهمات السعودية الحوثية: شراكة أم استسلام للواقع؟
تصريحات محمد علي الحوثي الأخيرة، التي كشف فيها عن حصول مليشيات الحوثي على تأكيدات سعودية بعدم التصعيد في اليمن، تمثل قنبلة سياسية يجب أن تكون محل نقاش جاد ومحاسبة علنية. فهذه التفاهمات التي اعترف بها الحوثي ليست مجرد سياسة تهدئة، بل هي، في جوهرها، تنازل عن حقوق الشعب اليمني أمام مليشيا مسلحة، واستمرار لإضعاف الشرعية التي أصبحت مجرد أداة بيد أطراف إقليمية.
السعودية والتفاهمات المزدوجة
السعودية، التي تتصدر التحالف العربي في اليمن بحجة دعم الشرعية وإعادة الاستقرار، تبدو في تصريحات الحوثي كأنها شريك في صناعة واقع يكرّس هيمنة الحوثيين. فالحديث عن "عدم التصعيد" يظهر وكأنه ضوء أخضر لمليشيات الحوثي لشن حروبها الداخلية، كما حدث في مديرية حجور إلى قيفة بالبيضاء.
الخطير في هذا السياق هو أن هذه التفاهمات لا تأتي بقرار يمني مستقل، بل بترتيبات ثنائية بين السعودية والحوثيين، دون اعتبار لمصالح الشعب اليمني. السعودية بذلك، سواء بقصد أو بغير قصد، تتيح للحوثيين استغلال هذه التفاهمات لتوسيع نفوذهم وإضعاف خصومهم في الداخل،كما انها تزيد من جرائمهم في حق الشعب اليمني دون اكتراث من الجانب السعودي
إذا كان حديث الحوثي دقيقًا، فإنه يضع الشرعية اليمنية في موقف مخزٍ، إذ يظهرها كطرف عاجز تمامًا عن حماية الشعب أو حتى الاعتراض على سياسات التحالف التي تُنفذ دون اعتبار للسيادة اليمنية.
لقد قبلت الشرعية بأن تكون مستلبة الإرادة، ترضخ لضغوط التحالف، دون أن تقدم أي رؤية سياسية أو عسكرية للخروج من هذا المأزق. هذا الصمت المريب تجاه ما جري في قيفة، وفي حجور من قبلها، هو شهادة ضمنية على انعدام الدور الفعلي للشرعية في إدارة المعركة الوطنية.
هزيمة المشروع الإيراني حتمية
ورغم كل التفاهمات التي تحاول مليشيات الحوثي استثمارها، ورغم خذلان الشرعية، يبقى سقوط المشروع الإيراني في اليمن وفي المنطقة بأكملها أمرًا حتميًا. الأحداث الأخيرة، بما فيها تصعيد مليشيات الحوثي واستعراضها للقوة ضد المدنيين في قرية الحنكة آل مسعود بمديرية قيفة، ليست إلا محاولات يائسة من مليشيا باتت مكشوفة ومهزومة استراتيجيًا.
الشعب اليمني يدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أن مواجهة المشروع الإيراني وهزيمته بسرعة أصبحت ضرورة وطنية ملحة، وأن هذه المليشيات، رغم كل ما تحاول إظهاره من قوة، لم تعد تملك سوى أوراق محدودة. استهداف الحوثيين لقيفة بقوة مفرطة ما هو إلا تأكيد المؤكد: أن هذه المليشيات باتت آيلة للسقوط العاجل، وأن نهايتها باتت أقرب مما تظن.
التداعيات الإنسانية: وجه آخر للمأساة
الهجوم الحوثي على قرية الحنكة آل مسعود في قيفة، باستخدام القوة المفرطة، لا يمكن وصفه إلا بأنه إبادة جماعية بحق المدنيين. عشرات القتلى والجرحى من النساء والأطفال، تهجير العائلات، وتدمير المنازل، كلها جرائم ارتكبت في ظل غياب أي تدخل حقيقي من التحالف أو الشرعية.
مثل هذه الجرائم تبرز الوجه الإنساني للمأساة اليمنية، الذي غالبًا ما يُطغى عليه الحديث السياسي. وهنا، تصبح المسؤولية مزدوجة: مليشيات الحوثي تتحمل مسؤولية هذه الجرائم بشكل مباشر، لكن التفاهمات السعودية معها تجعل الرياض شريكًا، ولو بشكل غير مباشر، في تمكين هذه المليشيا من ارتكاب هذه المجازر.
على المستوى الإقليمي، يبدو أن السعودية قد وضعت نفسها في مأزق استراتيجي. فبدلًا من أن تستغل ضعف المشروع الإيراني بعد تراجع نفوذ طهران وسقوط نظام الأسد، اختارت السعودية سياسة التفاهمات الثنائية التي منحت الحوثيين مساحات جديدة للمناورة.
أما على المستوى الدولي، فإن هذه التفاهمات تضعف صورة التحالف العربي أمام المجتمع الدولي، الذي يرى أن الحرب في اليمن لم تعد سوى نزاع إقليمي تديره تفاهمات خلف الكواليس.
دعوة لموقف شجاع وواضح
إن تصريحات محمد علي الحوثي تتطلب من السعودية توضيحًا صريحًا: هل هناك تفاهمات بالفعل تمنح الحوثيين مساحة للتحرك دون خوف من التصعيد؟ وإذا كانت هذه التفاهمات موجودة، فما مبرراتها؟
كما أن الشرعية اليمنية مطالبة بموقف أكثر جرأة. الصمت الذي التزمته تجاه هذه التصريحات يجعلها شريكًا في إضاعة دماء اليمنيين ومكتسباتهم. على الشرعية أن تعيد ترتيب أولوياتها، وتخرج من دائرة التبعية التي جعلتها غير قادرة على حماية شعبها أو حتى التعبير عن احتجاج واضح ضد ممارسات الحوثيين.
وإزاء ذلك كله لابد من رؤية مستقبلية لإنقاذ اليمن تطرح للنقاش الجاد ليتم تحويلها إلى برنامج عملي أهم مافيه تتلخص في الآتي:
1. التحالف مع الشعب لا المليشيات: يجب على السعودية أن تعيد التفكير في سياستها، وأن تدرك أن التحالف مع الشعب اليمني ومكوناته السياسية الفاعلة هو السبيل الوحيد لتحقيق استقرار دائم.
2. استقلالية القرار اليمني: على الشرعية أن تستعيد قرارها السياسي والعسكري، وأن تعيد بناء ثقة الشعب من خلال مواقف واضحة وجادة ضد أي تفاهمات تُضعف سيادة اليمن.
3. محاسبة الحوثيين دوليًا: يجب تحريك ملف الجرائم الحوثية ضد المدنيين على المستوى الدولي، وإحراج القوى التي تقدم لهم الغطاء السياسي من خلال تسليط الضوء على حجم المأساة الإنسانية التي تسببها هذه المليشيا.
4. تحقيق شراكة حقيقية مع المجتمع الدولي: يحتاج اليمن إلى شراكة دولية تركز على معالجة الجذور السياسية والإنسانية للصراع، بدلًا من الاكتفاء بتفاهمات سطحية تُعمّق الأزمة.
ما كشفه محمد علي الحوثي ليس سوى دليل آخر على أن مليشيات الحوثي تعيش في مأزق سياسي وعسكري كبير، وأن ما تقوم به من استعراض للقوة ليس سوى محاولات بائسة لإخفاء ضعفها المتزايد. الشعب اليمني، بإرادته وعزيمته، يدرك أن هزيمة المشروع الإيراني في اليمن مسألة وقت، وأن الأحداث الأخيرة ليست إلا محطة جديدة تؤكد قرب سقوط هذه المليشيات وانتهاء مشروعها التخريبي.