الـحوثيون: همجية مكشوفة وسياسة بلا وجه ولا حياء

Author Icon الدكتور / علي العسلي

يناير 13, 2025

إن "الهمجية المكشوفة" هي سلوكيات عنيفة وغير حضارية تتجلى بشكل واضح وصريح، حيث لا يسعى ممارسوها إلى إخفاء أفعالهم أو تبريرها. تتميز هذه الممارسات بالاعتداء على الحقوق، وقمع الحريات، والتعدي على القوانين، دون مراعاة للأخلاق أو القيم الإنسانية. إنها تعني عدم وجود أي شرعية أو مبرر يغطي الأفعال، فهم يتصرفون بمنطق القوة فقط، دون اكتراث بالقوانين أو الأعراف.

وفي الوقت الذي تُمارَس فيه هذه الهمجية، يُظهر أصحابها تناقضًا بين خطابهم المعلن الذي يدّعي الالتزام بالمبادئ والقيم، وأفعالهم الواقعية التي تكشف زيف هذا الادعاء. هذه الظاهرة تعكس استهانة بالمساءلة والرأي العام، سواء كان محليًا أو دوليًا، مما يُبرز فشلًا أخلاقيًا وسياسيًا في معالجة القضايا وإدارة شؤون المجتمع.

أما "السياسة بلا وجه ولا حياء"، فهي نهج سياسي يتميز بالافتقار إلى القيم الأخلاقية والشفافية، حيث تُمارَس السلطة بطريقة تفتقر إلى المبادئ والمصداقية. أصحاب هذه السياسة متلونون ومتناقضون بما يخدم مصالحهم اللحظية فقط. يمارسون الخداع والمراوغة وينسبون علنيًا للرأي العام ما يدور في الغرف المغلقة، وأحيانًا يكذبون بلسان غيرهم بما تمّ. لو كان صحيحًا ما يقولونه، لظهر للرأي العام تصريح مشترك أو بيان مقتضب أو ظهر عبر وكالات الأنباء الرسمية عن كل جهة ما حصل واتفق عليه.

الظهور للإعلام للحديث عن المواقف وتفصيل التفاوض والحوارات والاجتماعات بلا حياء، يدل على جرأة في الكذب والتضليل دون اكتراث بالتبعات، مع انعدام الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والشعب والقوانين والدبلوماسية والمواثيق والاتفاقات الدولية. إن السياسة بلا وجه ولا حياء هي تجسيد للأنانية لا الإيمانية، وللمصالح الفئوية لا الإنسانية، وللنفاق لا الالتزام بقيم الصدق والأخلاق.

الهمجية الحوثية الأخيرة

في أحدث همجية للحوثيين، أكدت مصادر محلية في محافظة البيضاء أن المليشيات الإرهابية اختطفت حتى الآن 420 مدنيًا على الأقل من أهالي قرية حنكة آل مسعود، بينهم أطفال وشيوخ. تم نقل 360 معتقلًا منهم إلى سجن إدارة أمن مديريات رداع في منطقة الكمب، و60 معتقلاً آخرين إلى السجن المركزي بمدينة رداع. كما فجرت المليشيات منازل ثلاثة مواطنين يوم أمس، وكانت قد أحرقت في وقت سابق خمسة منازل بشكل كامل، وفخخت 6 منازل، فضلاً عن اقتحام ونهب أكثر من 11 منزلًا في القرية، وهذه كلها إحصائية أولية.

همجية أخرى قامت بها جماعة الحوثي تمثلت في فرض إيقاف مؤقت لتدريس المناهج الدراسية في كافة الجامعات الحكومية والخاصة في صنعاء ومناطق سيطرتها الأخرى، وحصر المحاضرات في كافة الكليات على إبراز عملية "طوفان الأقصى" والإسناد الذي قدمته مليشيا الحوثي.

وفي همجية ثالثة، أصدر الحوثيون قانونًا غير قانوني لفاتورة دفع الراتب استثنائيًا لفئات ثلاث: الفئة التنفيذية العليا التي تستلم راتبًا كاملاً مكملًا شهريًا، والفئة الثانية التي تحصل على نصف راتب شهري بصفته حدًا أدنى، والفئة الثالثة التي تحصل على نصف راتب كل ثلاثة أشهر. يوم أمس، تم صرف نصف الراتب للفئة الأكبر في جهاز الدولة، وحدثت مفاجأة كبيرة عندما تم تسقِيط أسماء آلاف الموظفين من كشوفات الخدمة المدنية.

واطلعت اليوم على صفحة الزميل الأستاذ الدكتور عادل الشرجبي المناضل والمثقف المعروف على مشاركة له في الفيسبوك عنوانها: "قاعدونا والحمد لله".
وكان من ضمن زملاء أكاديميون أساتذة قدامى تفاجأوا بزيادة مستحقاتهم عما كانوا يستلمونه في الأنصاف السابقة، وعندما سألوا، قيل لهم: "مبروكين على الزيادة، أحلتم للتقاعد!" أية همجية هذه؟!
عقل الأمة وأساتذتها الكبار، يحيلهم الحوثة الجهلة للتقاعد، وأكيد سيستبدلونهم بسلالاتهم الهمجية الذين لا يفقهون في العلم شيئًا وليس لديهم مؤهلات. مأساة اليمن كبيرة يا عالم، ساعدوه على التخلص من هذه الفئة الإرهابية الباغية.

كذب الحوثي وادعاءاته

في مقابلة له مع قناة "الميادين"، قال محمد علي الحوثي إنهم يتعلمون مما يحصل في المنطقة، وأنهم بعد استشهاد حسن نصر الله قاموا بتفكيك الدولة والجيش المغتصبان إلى فصائل لا تعتمد على الهرمية التي كانت متبعة قبل اغتيال نصر الله. هذا اعتراف منهم بأنهم لا يجيدون إدارة دولة، بل فقط إدارة عصابات. هم يقودون عصابات ويمارسون حرب العصابات منذ نشأتهم، ولا يؤمنون بالدولة أو الدستور أو القوانين النافذة.

كما قال الحوثي إنه وجه الدعوة للسعوديين لتعقل الأمريكيين، لأن السعودية مرتبطة بأمريكا بمصالح قد تكون مستهدفة. وأوضح أنه كان واضحًا في قوله "وانبذ إليهم على سواء"، دون أن يفصح عن خوفه منهم من التخطيط لمعركة قادمة، رغم التهديد، فقد تودد للبقاء دون تصعيد في هذه المرحلة من أجل غزة.

وفي حديثه قال إن السعوديين أوصلوا لهم رسالة أكدوا فيها أنهم في الوقت الحالي لا يريدون التصعيد، وابتسم منتشيًا، وقال: "لكنهم يشعرون أن لدينا إرباك، ويشعرون بأننا لا نتحرك... هم لديهم قراءة خاطئة... لا تتحركون في ماذا؟ بالسلام واتجاه خارطة الطريق التي سبق وأن وافقتم عليها!"

وتحدث عن انتصاراته المزعومة على السعودية، فقال: "قلنا لهم أنتم تقرؤون قراءات خاطئة وستنالون الفشل"، وبين لهم أنهم لم يستفيدوا من التجارب السابقة، من إعلانهم أنهم سيسيطرون على اليمن خلال أسبوعين، ودعمهم لمحاولات عديدة من خلال انتفاضة الرئيس السابق أو انتفاضة صنعاء، انتفاضة الجوع، انتفاضة المرتبات، انتفاضة كشر، انتفاضة الجبل الأسود، انتفاضة... وانتفاضة...

وهنا اتوقف، واعلق قائلًا: لقد وصف الحوثي بدقة أن الغليان مستمر من الشعب اليمني ضدهم، لأنهم لم يحققوا له ما انتفضوا من أجله، ولأنه ربما أدرك ذلك، فقد جاء بالحديث عن انتفاضة "الجبل الأسود" التي لا وجود لها باليمن كنوع من التضليل أو التهريج أو الاستخفاف بالشعب اليمني.

وتحدث الحوثي عن أنهم في كل معركة يزدادون قوة وخبرة وتطورًا، فيما السعوديون لا يفهمون ذلك. وحين سُئل عن الجبهة الداخلية، أكد الحوثي أنهم سريعون في الاستفادة من أي معارك وأنهم وجهوا تحذيرًا للسعودية بأن قراءاتهم خاطئة وفاشلة. أعلق فأقول: تهديد ووعيد للسعودية، مقابل تفاوض ورسائل متبادلة ونصائح وتودد، كما يتحدث الحوثي، ثم تزوير للتاريخ من أن الحوثي قد انتصر على السعودية، وثلثي الجمهورية بمساعدتها قد تم تحريره من قبضة العصابة الحوثية.
وتحدث الحوثي، مخاطبًا من ينصحنا بإيقاف عمليات الإسناد: "اذهبوا وانصحوا أمريكا وبريطانيا بالتوقف عن دعم الكيان... فتنتهي المعركة."

أعلق على هذه الجزئية، فأقول: يا أبو أحمد... ما أسرع ما انتهى من قاموسك لفظة "الكيان المؤقت"! يا أبو أحمد، المعركة لن تنتهي إلا بزوال الاحتلال!

الحوثي يهدد ويكذب

الحوثيون يكذبون باسم أمريكا، حيث يدعون أن أمريكا قد جاءت إليهم بعد استهداف بوارجها، وأرغموها على الاختفاء والهروب من البحر الأحمر. لكن هذه الادعاءات غير صحيحة، حيث لا توجد أي إثباتات لهذه المزاعم. كما زعم الحوثي أنهم عرضوا عليهم حكم اليمن وشرعنتهم مقابل توقف دعم غزة، وهي كذبة أخرى لا أساس لها.

الخاتمة

على السلطة الشرعية أن تتقدم في الميدان لإثبات جديتها في تحرير المناطق المغتصبة من الحوثيين وتوحيد خطابها وصفها. يجب عليها أن تُثبت أن الحوثي اليوم ليس مجرد ظاهرة سياسية، بل هو فئة إرهابية مسلحة تمارس "الهمجية المكشوفة" دون أي مراعاة للأخلاق أو المبادئ الإنسانية، في ظل سياسة بلا وجه ولا حياء تهدف إلى تصدير صورة زائفة عن أنفسهم أمام أنصارهم أولًا، ومن ثم أمام المجتمع الدولي، رغم ممارساتهم الإجرامية والقمعية والدموية على الأرض.

إن هذه الممارسات لا تقتصر على المستوى العسكري فقط، بل تطال حتى المؤسسات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية، حيث يتم استخدام الأساليب القسرية في تعطيل حياة المواطنين وجعلهم رهائن في يد ممارساتهم الهمجية. كما أن محاولاتهم المتواصلة في تشويه الحقائق والتلاعب بالألفاظ لا تدل إلا على ضعف موقفهم وفشلهم في تقديم أي مخرج للأزمة أو رؤية سياسية قابلة للتطبيق.

أخيرًا، يجب على المجتمع الدولي أن يعترف بالواقع الصعب الذي يعيشه اليمنيون نتيجة لهيمنة الحوثيين على جزء من الأراضي اليمنية، وأن يكون الدعم الخارجي مشروطًا بوقف هذه الممارسات والعودة إلى مسار الحوار الوطني. يجب أن تتوحد الجهود الإقليمية والدولية لتخليص الشعب اليمني من هذه الممارسات القمعية التي تهدد مستقبل البلاد وتفاقم من أزماتها الإنسانية.

زر الذهاب إلى الأعلى