لا تحرفوا البوصلة عن الهدف الأساسي!

Author Icon د / علي العسلي

يناير 7, 2025

اليمني الجديد

في خطوة جوهرية لتعزيز الشفافية والمساءلة، أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني توجيهاته للأجهزة المختصة باستكمال التحقيقات في أكثر من 20 قضية فساد كبرى، تمهيدًا لإحالتها إلى القضاء وفقًا للقوانين النافذة. وتشمل هذه الإجراءات ملاحقة المتهمين داخليًا عبر الأجهزة القضائية، وخارجيًا بالتعاون مع الإنتربول الدولي، كجزء من استراتيجية شاملة لمكافحة الفساد، غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، بهدف حماية المال العام وترسيخ المركز القانوني للدولة.

مكافحة الفساد: خطوة محورية لكنها ليست كافية

إحالة قضايا فساد كبرى تتعلق بمليارات الريالات، من الاستيلاء على المال العام إلى التهرب الجمركي والتلاعب بعقود النفط ووقود الكهرباء، تمثل خطوة محورية على طريق الإصلاح المؤسسي. ومن الأمثلة البارزة على هذه الجهود، تجميد أكثر من 27 مليار ريال من أرصدة مسؤول سابق، واستمرار ملاحقته قضائيًا لاسترداد الأموال المختلسة. وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات كانت مطروحة منذ أكتوبر 2021 في تصريحات رئيس الوزراء السابق، إلا أن إدراجها رسميًا في تقرير النائب العام يمثل تقدمًا ملحوظًا.

هذه الخطوات تمثل ركيزة أساسية في بناء دولة قائمة على العدل والقانون. لكنها يجب ألا تُصور كإنجاز نهائي أو هدف قائم بذاته، بل كجزء من مسار يركز على التحدي الأكبر: إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة.

الفساد في النظام: معاملة غير أخلاقية

الفساد في أي نظام هو انتهاك أخلاقي وسياسي يدفع بالمصالح الشخصية إلى المقدمة على حساب المصلحة العامة. لكن ما يحدث في ظل سيطرة الحوثيين يتجاوز هذا المفهوم إلى فساد ممنهج ومنظم، يمتد تأثيره ليشمل كل جوانب الحياة اليمنية.

الحوثيون... نموذج للفساد الممنهج باسم الدين

يدّعي الحوثيون أنهم يمثلون الدين، لكن ممارساتهم تناقض تمامًا القيم الدينية والأخلاقية. فهم يستغلون الدين لتبرير فسادهم وإرهابهم، ينطبق عليهم ما جاء في قوله تعالى: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يُقتلوا أو يُصلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض" (سورة المائدة: 33).

هم منخرطون في الفساد المالي كوسيلة لفرض الإتاوات ونهب الموارد تحت مسميات زائفة مثل "الخُمس". هذه الأفعال تتنافى مع القيم الإسلامية التي تدعو إلى العدل والإحسان. كما أنهم يستغلون المناسبات الوطنية والقومية للإثراء غير المشروع.

إضافة إلى ذلك، يمارسون فسادًا اجتماعيًا يتمثل في تحريف المناهج، تعطيل التعليم، عرقلة التنمية، حرمان الموظفين من رواتبهم وتشغيلهم بالسخرة، وتمزيق النسيج الاجتماعي بتبنيهم الطائفية وتكريس السلالية.

أما الفساد الأخلاقي، فهو واضح في سلب الأرواح، نشر الفوضى، وانتزاع أقوات الجائعين، متجاهلين الآية القرآنية: "وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد".

رسالة إلى الشرعية: لا تشتتوا الأولويات

على القيادة الشرعية أن تدرك أن التغيرات الإقليمية والدولية تصب في مصلحة إنهاء الانقلاب الحوثي. معالجة الفساد الداخلي خطوة مهمة، لكنها ليست الغاية النهائية. الشعب اليمني يعرف أن الحوثيين هم المصدر الأكبر للخراب والفساد، وأن استعادة الدولة هي الطريق لتحقيق العدالة والتنمية.

ختامًا: لا تنسوا البوصلة!

اليمن يقف على مفترق طرق تاريخي: إما أن ينتشل نفسه من مستنقع الفساد والانقلاب، أو يستمر في دوامة الفوضى والانهيار. هذه اللحظة تتطلب توجيه الجهود نحو الهدف الأكبر، وهو إنهاء الانقلاب الحوثي وإعادة بناء الدولة على أسس العدالة والتنمية المستدامة، مع التركيز على تشكيل حكومة حرب مصغرة ذات كفاءة، تكون أولوياتها منصبة على إنهاء الانقلاب. نكرر ذلك مرارًا.

زر الذهاب إلى الأعلى