تعز أولاً وأخيراً: في ذكريات الشهيد رضوان العديني
في الذكريات الأليمة التي تلازم مدينة تعز وأهاليها، يبقى اسم الشهيد العميد الدكتور رضوان العديني محفوراً في قلوب من عرفوه، رجلٌ ارتبط اسمه بشجاعة لا تقهر وإخلاص لا حدود له، سواء في ميادين المعركة أو في نضاله السياسي والاجتماعي من أجل استقرار مدينة تعز وازدهارها.
كان رضوان العديني، قائد لواء العُصبة، أحد أبرز القادة العسكريين في معركة الجمهورية ضد مليشيا الحوثي، وهو الذي ترك وراءه ملامح واضحة للشجاعة والتضحية في سبيل الوطن، وزرع في نفوس الجميع قيم الوفاء والإصرار على المضي قدماً في طريق التحرير. لكن، ما يميز العديني أكثر من سلاحه وقيادته العسكرية، هو إيمانه العميق بوحدة تعز وضرورة التماسك بين فصائلها المختلفة لتحقيق انتصار حقيقي على العدو المشترك.
"تعز أولاً وأخيراً" كان شعار الشهيد رضوان العديني الذي أعرب عنه في أكثر من مناسبة، خاصة في حوار هاتفي جمعني به قبل رحيله بأيام. هذا الشعار لم يكن مجرد كلمات، بل كان نهج حياة، ورسالة للقادة العسكريين والسياسيين في المدينة، وأيضاً لكل من شارك في الدفاع عن تعز، بضرورة تجاوز خلافاتهم والتوحد من أجل المصلحة العامة. لقد كان العديني من المؤمنين أن انتصار تعز لا يتحقق إلا إذا اجتمعت جميع القوى السياسية والعسكرية تحت راية واحدة ضد التحديات المشتركة التي تفرضها المليشيات الحوثية.
و ما جعل العديني مميزاً ليس فقط حنكته العسكرية، بل أيضاً قناعته أن الانتصار في الحرب لا يتحقق بالقوة العسكرية وحدها، بل بتوحيد الصفوف والتخلي عن الأحقاد الشخصية أو الحزبية الضيقة. كان يرى أن تعز بحاجة إلى رجال يضعون مصلحة المدينة فوق كل اعتبار، وينبذون الانقسامات التي تقود إلى الفوضى والتشرذم. هذا الموقف جاء من إدراكه العميق للوضع الحساس الذي كانت تمر به المدينة، ووعيه الكبير بأن كل شبر من الأرض في تعز يُحارب من أجل الحرية والكرامة.
في فترة ما قبل استشهاده، كان العديني يسعى جاهداً لتوحيد الصفوف العسكرية في تعز، في مواجهة التحديات العسكرية والسياسية التي كانت تزداد يوماً بعد يوم. لقد عمل على تأسيس "لواء العُصبة"، وهو تشكيل عسكري مستقل عن الجماعات الأخرى في المدينة، مما أثار بعض الجدل السياسي، لكن العديني كان على يقين من أن بناء قوة عسكرية موحدة وفعالة هو ما تحتاجه تعز في تلك اللحظات الفارقة. لم يكن لواؤه مجرد قوة مسلحة، بل كان يمثل رمزية للتلاحم الوطني والتكاتف في مواجهة الأعداء.
لكن مع الأسف، لم يكن شهيدنا يملك الوقت الكافي لتحقيق رؤيته الكاملة، حيث اغتيل في 9 يونيو 2018 على يد اليد الغادرة التي طالما كانت تلاحق أبطال تعز. ومع أن رحيله شكل خسارة كبيرة لتعز، فإن رسالته في ضرورة الوحدة لم تُمحَ، بل أصبحت نبراساً يضيء الطريق لكل من يواصل النضال من أجل تعز.
رضوان العديني كان رجلاً ذو شخصية قوية وصادقة، وكان يصر على أن تعز يجب أن تظل حاضنة لجميع أبنائها. كان يرفض بشدة أي تدخلات خارجية أو محاولات لتمزيق المدينة تحت أي ذريعة كانت، وكان يؤمن أن العمل المشترك بين جميع فصائل المقاومة والجيش في تعز هو السبيل الوحيد لحماية المدينة ومواردها، وتحريرها من قبضة المليشيات الحوثية.
أما بالنسبة لموقفه من الخلافات الداخلية بين فصائل المقاومة في تعز، فقد كان العديني دائماً يؤكد على ضرورة وقف الاقتتال الداخلي، مذكراً الجميع بأن العدو المشترك هو من يسعى جاهداً لتدمير المدينة وتقويض حلمها في بناء دولة مستقرة. وقد أكد في أكثر من مرة أنه لا مجال للانقسام في مثل هذه الظروف الحرجة، وأن على الجميع أن يتحدوا تحت هدف واحد هو تحرير تعز من الاحتلال الحوثي.
لقد كانت شخصية رضوان العديني تتسم بالحنكة السياسية والعسكرية، فهو ليس فقط قائداً ميدانياً بل كان صاحب رؤية استراتيجية عميقة لشكل المستقبل في تعز واليمن بشكل عام. كان يفكر في المستقبل ويعول على بناء دولة مدنية تكون تعز هي نبراسها. كان يؤمن أن بناء الدولة يحتاج إلى الكثير من التضحية والعمل الجاد، وأن النضال ضد مليشيا الحوثي ليس كافياً إذا لم يتم تعزيز الوحدة الداخلية بين القوى المختلفة.
رحل العديني، لكن ذكراه ما تزال حية في قلوب كل من ناضل معه من أجل المدينة، ومنهم من لا يزال يواصل المسير على نهجه. لا يمكن لأحد أن ينسى تلك اللحظات التي شارك فيها مع أبطال المقاومة في تعز، وهم يكتبون أروع الملاحم على أرضها الطاهرة. كان حضور رضوان العديني يبعث الأمل في النفوس، ويعزز الإيمان بأن تعز ستظل صامدة في وجه أعدائها، مهما كانت التحديات.
اليوم، ونحن نتذكره، نتذكر أن حلمه لم يكن فقط تحرير تعز من المليشيات الحوثية، بل كان يطمح إلى جعلها نموذجاً للوحدة والتماسك بين كل أبنائها، وهو ما نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى.
والحال إن تعز، على الرغم من الجراح والتحديات، لا بد أن تستعيد وحدتها وتوحد فصائلها، كما كان يحلم العديني.
رحم الله الشهيد العميد رضوان العديني، وجعل ذكراه نبراساً لنا في مواصلة النضال من أجل تعز أولاً وأخيراً.