راتب الحوثي الامتيازي بقانون استثنائي: فخ للشرعية والتحالف!
نعيش المخاض الأخير بالفعل؛ فالجميع مستمر في استنساخ مشاريعه وإبراز مشكلاته. كلما اقترب الاستحقاق واقترب الحوثي من النهاية، يحاول إحداث الفتن بين مكونات الشرعية بتذكيرهم بماضيهم لزعزعة الثقة فيما بينهم.
كذلك، يسوق نفسه كأداة لثأرٍ اجتماعي ويدّعي حرصه على الراتب ويتفاوض مع السعودية بشأنه، بعد أن كان في السابق يخوّن كل من يطالب براتبه. ولا يزال كثيرون يذكرون مقولتنا المرفوعة "الراتب حياة"، التي كان يصفها بالعمالة والارتزاق، ويعتبر المطالبة بالراتب خيانة وطنية عظمى.
في خطوة ضمن هذا المخاض الأخير، أعلن ما يُسمى وزير المالية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليًا عن بدء تنفيذ "الآلية الاستثنائية المؤقتة لدعم فاتورة مرتبات موظفي الدولة وحل مشكلة صغار المودعين".
الإعلان، الذي جاء عبر منصة "إكس"، حمل وعودًا براقة وإنجازات "تاريخية" مزعومة. لكن عند التمعن، يتضح أن القانون يهدف إلى تثبيت الهيمنة الحوثية وفرض فخ سياسي واقتصادي على الشرعية والتحالف، خصوصًا في ظل الحديث عن قرب توقيع خارطة الطريق. الحوثيون يسعون لتحويل الملف الاقتصادي إلى ورقة سياسية تصب في صالحهم.
جماعة الحوثي هي جهة انقلابية غير معترف بها دوليًا أو محليًا، ولا تملك الشرعية الدستورية لإصدار القوانين. وفق الدستور اليمني، إصدار القوانين يتطلب مؤسسات شرعية كالرئاسة والبرلمان المنتخب. وبالتالي، فإن هذا القانون يفتقد أي قيمة قانونية، حتى لو تضمن نصوصًا تبدو مفيدة.
القانون يحوّل "الاستثناء" من إجراء مؤقت إلى قاعدة دائمة، مما يناقض مفهوم الاستثناء ويقوّض مبدأ العدالة والمساواة. كما أنه يشرّع لدفع نصف راتب لبعض الفئات وكامل للمتنفذين للسلطات العليا، ما يعمّق الانقسام الاجتماعي، ويؤدي إلى إحباط الموظفين والشعور بالظلم. لم يُسمع في التاريخ أن صرف رواتب الموظفين المستحقة يُصدر بقانون استثنائي مؤقت.
القانون يخدم أهداف الحوثيين في تكريس السلطة من خلال توزيع الموارد بما يخدم الجماعة فقط، مع ضمان ولاء فئة معينة من خلال الامتيازات. كما أنه محاولة لامتصاص الغضب الشعبي عبر وعود بتسديد صغار المودعين، لكنها لا تقدم حلاً جذريًا لمشكلات الاقتصاد.
إضافة إلى ذلك، يعترف الحوثيون ضمنيًا بقدرتهم على استخدام إيرادات الضرائب والجمارك لتمويل الرواتب، في حين أنهم لم يفعلوا ذلك من قبل لهذه الموارد، إذ كانت تُستخدم في الحقيقة لدعم عملياتهم العسكرية في المجهود الحربي وإثراء المشرفين.
ادعاء الإنجاز التاريخي بتسديد 90% من ديون صغار المودعين، التي تعود لما قبل 2014، يتجاهل أن الحوثيين تسببوا بالأزمة الاقتصادية منذ انقلابهم. غياب الشفافية حول مصادر الأموال المستخدمة لتسديد الديون يزيد من الشكوك حول مصداقية هذا "الإنجاز". كما أن إدخال مناسبات مثل "جمعة رجب" لتعزيز التأثير العاطفي يعكس محاولة الحوثيين كسب تأييد شعبي بأي وسيلة.
القانون الحوثي يضع الشرعية والتحالف أمام خيارات صعبة؛ إذا تجاهلوه، سيبدو وكأنهم لا يهتمون بالمودعين والموظفين، وإذا تصدوا له، قد يُتهمون بإفشال جهود حل الأزمات. الحوثيون يسعون لاستباق أي تسوية سياسية محتملة بفرض واقع اقتصادي جديد يعزز من شرعيتهم الوهمية. تغذية حسابات المودعين تمثل تحديًا للشرعية، إذ قد تضطر لاحقًا لتغطية الالتزامات التي بدأ الحوثيون بصرفها. القانون يعقد الملف الاقتصادي ويربطه بمواقف سياسية، مما يضعف أي محاولات لفصله عن القضايا الأخرى في المفاوضات المستقبلية.
لكن هذا القانون الحوثي يبرز أهمية تعزيز دور الشرعية والتحالف في إدارة الملف الاقتصادي؛ فهما بحاجة إلى تحسين كفاءة الأداء المالي والاقتصادي، مع نشر تقارير دورية عن الإيرادات والنفقات. دعم استقلالية البنك المركزي في عدن، وتطوير آليات لتحصيل الموارد، مع ضمان وصول الرواتب إلى جميع الموظفين دون تمييز.
توضيح الأهداف الحقيقية للقوانين الحوثية أمام الأمم المتحدة والجهات المانحة، لحثّ المجتمع الدولي على عدم الوقوع في فخ تمويل الحوثيين. تسريع تنفيذ مشاريع إنسانية وتنموية لتقديم نموذج مختلف عن الحوثيين.
القانون الحوثي هو خطوة استباقية تهدف إلى فرض أمر واقع يخدم أجندة الجماعة، لكنه يمثل أيضًا فرصة للشرعية والتحالف لتوحيد رؤيتهم وتفعيل أدواتهم بشكل أكثر فاعلية.
الشرعية والتحالف بحاجة إلى رؤية موحدة وموقف واضح للتعامل مع هذا الفخ، بما يضمن تعزيز شفافية الأداء الاقتصادي وحماية حقوق المودعين والموظفين في كل اليمن. فالاستثمار في بناء نموذج اقتصادي شامل وعادل سيضع الحوثيين أمام خيارات أصعب، ويعيد الثقة للشعب اليمني بقدرة الشرعية على تحقيق الاستقرار.