حول الديمقراطية والأغلبية

Author Icon حسين الوادعي

يناير 3, 2025

بديهيات لم تكن بحاجة للتذكير بها لو كنا نعيش في مجتمعات لم يدمر عقلها الاستبداد.

أولا: الديمقراطية ليست حكم الأغلبية. الديمقراطية منظومة من الاجراءات والمؤسسات من ضمنها: انتخابات حرة ونزيهة يمارس فيها المواطن حقه دون خوف، وحرية صحافة واعلام تتيح للجميع الوصول للمعلومات واتخاذ القرار بناء على بيانات ودلائل موثقة، وفصل بين السلطات الثلاث يمنع أي فصيل من الاستبداد، واجهزة رقابية حكومية وشعبية ومدنية تراقب أداء القوى السياسية وتحاسبها اذا اخطأت، وقوانين وتشريعات تحمي المواطن من الاضطهاد او الاعتقال او التنكيل بسبب موقفه السياسي .
هذه باختصار العناصر الاساسية للديموقراطية. أما الأغلبية فهي الطريقة الإجرائية لحسم الخلافات بالتصويت، وهي آلية بسيطة من آلياتها وليست كل الديموقراطية ولا المظهر الوحيد لها. لو كانت الديموقراطية هي تصويت الاغلبية فقط دون وجود بقية المؤسسات والنظم الحامية للحقوق فلا فرق بينها وبين الديكتاتورياية.

ثانياً: المقصود بالاغلبية في الديموقراطيات ليس الاغلبية السكانية ولا الأغلبية الدينية المذهبية. الأغلبية الديمقراطية هي الأغلبية التصويتية، وهي اغلبية متغيرة وليست ثابتة. فانت قد تصوت لحزب ثم ترفضه وقد تتبنى مرشحا ثم تتخلى عنه.
البيض في امريكا مثلا هم أغلبية سكانية لكنهم ليسوا أغلبية تصويتيه، واصواتهم تتغير وتتنقل بين المرشحين ولا يمكن الادعاء أن البيض وحدهم فقط من يحكمون ويشرعون لانهم الاكثر عددا. هذه عنصرية وليست ديمقراطية.
والمسلمون (أو السنة أو الشيعة )اغلبية سكانية ثابتة، وليسوا اغلبية تصويتية متغيرة، وهم منقسمون سياسيا بين اسلاميين وعلمانيين وليبراليين وقوميين.. الخ.
ولو كانت الاغلبية السكانية هي التي تحكم بسبب تقوقها العددي لما كنا بحاجة للديموقراطية او الانتخابات ، إذ يكفي التعداد السكاني ليحسم كل شيء ويلغي الديمقراطية والسياسة للأبد.

ثالثا: الأغلبية لا تحكم ولكنها تصوت. الذي يحكم هو الاقلية البيروقراطية التي تم انتخابها. ولضمان حسن سلوكها يجب ان تخضع الاقلية الحاكمة لرقابة شعبية ومدنية دقيقة ومستمرة.
وانت كمواطن ديمقراطي تنتخب ممثلك وتستمر في مراقية ادائه ووضعه أمام مسؤولياته وليس التطبيل والتشبيح له.
الديمقراطية غير والتشبيح الثوري غير.

رابعا: بناء على تصويت الأغلبية تستطيع الأقلية المنتخبة تغيير السياسات والقوانين، لكن هناك اشياء وقواعد لا يمكن لأي اغلبية تغييرها وهي: حقوق الانسان والحقوق الشخصية والمدنية ومباديء المواطنة والمساواة.
يستطيع الحزب الحاكم المنتخب تغيير القوانين والسياسات لكنه لا يستطيع مصادرة حقوق الانسان وحرياته او. الاعتداء عليها أو تقييدها. هذه مباديء عليا وحقوق أصيلة فوق السلطة وفوق الأغلبية وفوق النظام السياسي.

خامساً: الديموقراطية الحقيقية هي التداول السلمي للسلطة وليس الحكم الأبدي للأقلية أو الأكثرية . الديمقراطية هي قدرة الناس على تغيير الحاكم والحكومة والمنظومة السياسية وليست استعباد الناس باسم الدين أو الاغلبية أو الشريعة.

زر الذهاب إلى الأعلى