نداء سامي غالب للتبرع لصحيفة النداء

Author Icon عبد الناصر للمودع

ديسمبر 30, 2024

وجه سامي غالب رائد الصحافة المستقلة في اليمن، والتي هي صحافة نادرة واستثنائية في هذا البلد، نداءً إلى عموم اليمنيين ليتبرعوا لصحيفة النداء التي تصدر حاليا بنسخة إلكترونية. وسرد سامي في ندائه، كيف أنه رفض أن يتخلى عن استقلالية صحيفة النداء، حين كانت تصدر في صنعاء ورقيا للحفاظ على استقلاليتها. (تجدون النداء وطريقة التبرع على هذا الرابط)
alndaa.net/posts/100738‎
لا يحتاج سامي غالب إلى شهادتي بنزاهته ورغبته في خلق نموذج لصحافة مهنية ومحترمة في اليمن، وما ندائه لعموم اليمنيين بالتبرع لهذه الصحافة إلا دليل على ذلك. فلو كان يهدف للحصول على المال، لاختصر المسافة والوقت والجهد وطلب الدعم من أصحاب المصالح ،وأصحاب المصالح الذي اقصدهم، هم الأطراف الخارجية والداخلية الذين يديرون المشهد الكارثي في اليمن.
فمنذ اشتعال الحرب في 2015 فُـتحت خزائن الارتزاق، بشكل غير مسبوق، وكان الهدف من ذلك شراء ولاء من يروج للدول المتدخلة في اليمن واجنداتها، والأطراف اليمنية التابعة لها. وتبعا لذلك؛ أصبح الارتزاق مهنة رابحة وسهلة، لكل من لديه القدرة على التأثير على الناس، بمن في ذلك، المهرجين والشتامين على يو تيوب وتيك توك وغيرها.

ولو أراد سامي غالب الدخول إلى سوق الارتزاق لحصل على أفضل العروض، ولما اضطر لأن يقوم بالنداء الذي قام به، لكنه فضل أن يذهب إلى أصحاب المصلحة، وهم آلـ 35 مليون يمني، لإدراكه أنهم الأحوج لصحافة حرة ومستقلة.
قد يرى الكثيرون بأن التبرع للصحافة المستقلة في ظروف اليمن الحالية هو نوع من الترف، وأن الأولى التبرع لإطعام الفقراء، وهذا الرأي يبدو وجيها؛ ولكن لمن يعرف أهمية الصحافة المستقلة، والأفكار الحرة بشكل عام، يجد أن التبرع للحصول على معلومة صحيحة ورأي سديد هو أهم من سد حاجة بضعة فقراء،فالمعلومة الصحيحة، والرأي السديد، تساهم في معالجة جذور المشكلة التي أوصلت الناس إلى حالة الفقر والعوز، بينما إطعام الفقراء لا يعدو أن يكون معالجة مؤقتة وجزئية لأعراض المشكلة.

فالكارثة الحاصلة في اليمن هي نتيجة أفكار هدامة استخدمت وتستخدم معلومات زائفة يقوم بترويجها إعلام مضلل، يُخصص له ميزانيات ضخمة، ومؤسسات محترفة.
ولو لم يكن للأفكار والمعلومات من أهمية لما سخرت الأطراف المتصارعة في اليمن الميزانيات الضخمة لتزييف الحقائق وتسويق أفكارها الهدامة.

فعلى سبيل المثال نجد أن ما ينفقه الحوثي على الإعلام والتلقين الايديولجي لأفكاره السامة، قد يفوق ما ينفقه على أجهزة القمع،لأن هذا الإنفاق يسهل له عمله بأكثر مما تقوم به أجهزة القمع، فعملية غسيل الدماغ التي تقوم بها أجهزة الدعاية والتلقين التابعة للحوثي، توفر عليه كلفة القمع، وتصنع له كائنات بشرية مطيعة ومنفذة لمشروعه الهدام. وما ينطبق على الحوثي ينطبق على الأطراف الأخرى بدرجات مختلفة.
الصحافة المستقلة التي يطالب سامي غالب بدعمها ليست صحافة محايدة، كما يعتقد البعض، ولكنها صحافة تلتزم معايير مهنية وأخلاقية تعود فائدتها لعموم الناس،ويعمل فيها صحفيون من خلفيات متنوعة، يحملون آراء مختلفة، إلا أنهم يلتزمون بمعايير صارمة فيما يتعلق بالعمل الصحفي من حيث؛ تحري المعلومة، وعدم التدليس، أو الفبركة، أو الاجتزاء أو الابتزاز أو إدارة حملات لهذا الطرف ضد ذاك.

فالصحفي، والكاتب المستقل، يكتب بما يُمليه عليه ضميره، وبحسب ما يعتقد بأنه الصحيح، وهو ما يختلف عن الصحفي غير المستقل، والذي يكتب بحسب توجيهات الجهة الممولة، أو التنظيم الذي ينتمي له.
إن أي أموال تنفق على الصحافة المستقلة ستوفر الموارد الضرورية للكتاب المحترمين، الذين نأوا بأنفسهم من أن يكونوا مرتزقة لهذه الدولة أو تلك، أو تابعين لهذا الطرف أو ذاك.

إضافة إلى ذلك، الإنفاق على الصحافة المستقلة، يوفر الموارد الضرورية لإنجاز تحقيقات استقصائية، والتي تعد من أهم أعمال الصحافة والإعلام بشكل عام. فهذه الأعمال مكلفة جدا، إذ قد تكلف بعض التحقيقات عشرات الآلاف من الدولارات، لأنها تتطلب فترة زمنية طويلة، وفريق عمل كبير، والذهاب إلى دول ومناطق عديدة. وما يمنح بعض الصحف، وبعض وسائل الإعلام، المكانة المرموقة قدرتها على إنجاز تحقيقات صحفية مؤثرة وذات مصداقية.
إن عوائد الإعلام الحر والمستقل، غير ظاهرة، لكنها عوائد ضخمة لمن يدرك ذلك؛ فالدول المزدهرة هي تلك التي تملك إعلام حر، والذي أصبح سلطة قوية وفعالة لصالح عموم الناس.

بينما الدول المنهارة والغارقة في الفوضى والمسيطر عليها من الخارج نجدها مسيرة من قبل إعلام مظلل ،هدفه تزييف الوعي ونشر الأفكار الهدامة لأطراف الصراع.
نداء سامي غالب هو فعل إستثنائي في اليمن، فقد اعتاد الناس على القبول بالإعلام الممول من الخارج ومن الأطراف السياسية صاحبة المصالح، وأصبح من المقبول والطبيعي أن يُسخر اصحاب الرأي جهودهم لمن يدفع لهم.

ولهذا فإن هذا النداء هو بمثابة إمتحان لدرجة وعي اليمنيين، واستفزاز لضميرهم الوطني، فهل سينجحوا في هذا الإمتحان؟ هذا ما ننتظر إجابته من سامي غالب بعد حين. وفي كل الأحوال فإن هذا النداء تذكير لمن يرغب في المبادرة، وحجة على من هو قادر وتجاهل النداء.

زر الذهاب إلى الأعلى