وكيل الهنود الحُمر !

Author Icon محمد علي محسن

ديسمبر 19, 2024

قابلت رئيس الحكومة الأسبق ، معين عبد الملك ، في مكتبه بهضبة معاشيق ، وبحضور الأخوين محمد عسكر وزير حقوق الإنسان الأسبق ، والرفيق الدكتور مطيع دماج ، أمين عام مجلس الوزراء حاليًا .

كان هذا اللقاء في هزيع العام ٢٠١٩م ، وكانت الغرفة ضيقة بالكاد استوعبت اربعتنا ، وهذه أول مرَّة التقي برئيس وزراء وفي موضوع شخصي ، وله صلة برتيب وضعي إداريًا ، وهي ليست ترقية ، وإنَّما مجرد نقل من جهة إلى جهة وبذات الدرجة والاستحقاق .

ولكن المدبر مدبر حتى لو فتحت له أبواب السماء ونادته شبيك لبيك ، فبدلًا من أن اشكره أو امدحه بقصيدة عصماء مثلما كان فعل من عيَّنهم الرئيس الأسبق صالح ؛ رحت انظِّر واتفلسف بضرورة الإنصاف والعدل لكافة الهنود الحُمر " المستقِلِّين ' الذين همُّشوا واقصوا في كل الاستحقاقات الإنتخابية أو الوظيفية .

شفتم على فضول ، خاطبته : يا دكتور معين ، ما تصلح البلاد والدولة تتعامل معنا نحن المستقلون وكأننا كائنات خرافية لا وجود لها في الواقع ، فهذا وطننا وينبغي أن لا تتعاملوا معنا مثلما تعامل الأمريكيين الغلاظ مع الهنود الحُمر " .
هل لاحظتم أنني حدثته بلا لياقة ؟ كان ولابد من مقدمات مثل معالي ، دولة ، سيادة ، فخامة ، قائد ، زعيم .
وواصلت : لقد وصل التهميش حد مصادرة حصتنا في مؤتمر الحوار الوطني . اتفقوا جميعًا على تقاسم حصة الغلابى ، فبرغم خلافهم سلطة ومعارضة في معظم القضايا إلَّا أنَّهم لم يختلفوا على أكلنا وهضمنا مثل كعكة عيد الميلاد ، فكل حزب وكيان أخذ قسمه وراح يوزعها على اعضائه عيني عينك .

رحت اسرد له مظلمة شعب الهنود الحُمر " المستقلين " وكأنَّهم أعطوني صكًا بتمثيلهم ، وعادني بالغت زيادة ، إذ طالبته بوضع حد لهذه القسمة الضيزى ، بحيث يمكن استيعاب هذه الشريحة المهمَّشة ، ففيها من الكفاءات ما يؤهلها لشغل وظائف افضل من قادة الصدفة والحظ والمحاصصة غير وطنية وغير عادلة .

وذكَّرته بحماسة بأن الحكومات ملزمة بالمساواة بين رعاياها ، وأنّ أمُّي كانت تحقق العدالة افضل من سلطات الدولة ، فطالما وقفت في وجه أبي قائلة : من زَيَّد ولد على ولد إلى جهنَّم وَرَد ".

وفي نهاية المقابلة سلَّمته ملف السيرة الذاتية ، وشدَّدت عليه بوظيفة في " كاركاتا " مثلما كنَّ النساء ايام زمان يقلن في لحظة غضب ، وعندما كبرنا أدركنا أنهن قصدن " كالكاتا " مدينة بنغالية هندية .
طلبت بنقلي بعيدًا عن الجهة التي قضيت فيها خمسة عشر عاما ، وابديت بعدم رغبتي في العمل في مؤسسات الإعلام الرسمية ، فلم يبق غير أن أطلب لبن العصفور .

طبعًا ، وعد بترتيب وضعي ، فقط طلب منحه الوقت الكاف ، لحين الإتفاق على أسماء وزراء حكومته المزمعة ، منوهًا بأن المشاورات في الرياض على وشك الإتفاق على حكومة توافق بين الأحزاب السياسية والمجلس الانتقالي وسواه من الكيانات الداخلة في القسمة .

حين لفظ كلمة " توافق " ، وفي هذه اللحظة بالذات ، تسرب أليأس إلى داخلي ، أحسست أنه وعد عرقوب ، وقدكم تعرفون قصة عرقوب مع شقيقه ، لا بلح ولا تمر ولا سدَّد دينه .

أحسست بزحلقتي ، وبأسلوب ظاهره الموافقة وباطنه الجزع من شركاء الغنيمة ، وهذا يعني أن مصيري اضحى عالقًا ، ورهن توافق سياسي شبيه بإتفاق الرياض على حكومة مناصفة .
تأمَّلت في وجه وزير حقوق الإنسان ، صرخت في أعماقي : يا الله ما أكبر الوظيفة التي سيمنحني إياها ، كأنني طلبت تعييني سفيرًا في أمريكا او فرنسا أو وزيرًا لثلاث وزارات مجتمعه .

أشار على سكرتيره بأخذ ملفي ، ويا ليتني صمتت ومضيت بعد الذي قلت له ، وانما زادت حماستي فقلت له : هذا ملفي الوظيفي ، وانا داري أن مصيره مثل قرار الرئيس هادي عندما خطفه نجله جلال ، وبكل وقاحة رافضًا القرار ، مقترحًا شخص من البلاد ، وهو ما تم بالفعل ورغم أنف الوزير والكهل باسندوة .

وأضفت : قال شيخنا الجليل عبد الكريم الرازحي ، أن لا نتعب أنفسنا ، فكل من يصعد إلى الكرسي ، يتعامل معنا بمزناوة ، على اساس أننا اولاد خالة ".

وعندما لفظت اسم الرازحي ، ابتسم الدكتور مُعين ، وتبدَّلت ملامح وجهه كاشفة عن روح طيبة ومرحة ، فعقَّب مرتجلًا ومستغربًا : ماذا قلت ؟ إيش إيش عبد الكريم الرازحي ؟! .
فقلت له والقات يتنافش من فمي ، قال : يا ولد علي محسن لا تتعب نفسك ، أصغي جيدًا ، لا مكان لنا في هذه البلاد ، جميعهم خبراء مزناوة ".
أردتها مزحة ، فكانت الضربة القاصمة ، أفسدت الفرصة الوحيدة ، غادرت الغرفة في ذينك المساء ، وفي سريرة نفسي أقول : ليتني صمتت ، ليتني ما أصغيت لك ولا أخذت بنصيحتك يا رازحي ...

 

زر الذهاب إلى الأعلى