العديني ..مسألة أمن عام وليس تنازع فكري بين محافظين وليبراليين
في الوقت الراهن، تعز بلا موارد وهي محافظة ذات كثافة سكانية عالية ومشطورة بين نمطين إداريين وسلطتين على الاقل.
الجزء الذي تحت سيطرة الحكومة يتعرض لضغوط كبيرة. الزيادة السكانية لا تتوقف والحكومة لا تستطيع دفع الرواتب إلا بالكاد وهناك أعباء كبيرة على القطاعات الخدمية خصوصا بعد ان تحولت المدن الصغيرة والمراكز الإدارية إلى مدن كبيرة دون موازنة مناسبة مع المتغيرات. فضلا عن ان المحافظة استقبلت عددا كبيرا من النازحين والعائدين اليها بحث عن بيئة أعمال او وسط مديني ملائم من كل الجهات والهاربين من بطش الميليشيات في مناطق متفرقة في اليمن خصوصا في مناطق الحوثي.
امام هذه التحديات تؤدي المنظمات العاملة في القطاعات الإنسانية وأعمال الإغاثة والمشاريع الخدمية دوراً حيويا ومنقذاً لملايين الناس. ثلثي مساحة تعز بلا خدمات ولا شبكة طرق ولا مستشفيات خصوصا القطاع الغربي والجنوب غربي الذي بدأت المشاريع تصل اليه الان بعد ستة عقود من الجمهورية.
لكن المفارقة هي علو نبرة الخطاب الديني المحرض على المنظمات وعلى نشاط المرأة والمجتمع المدني في المحافظة. يتصدر البرلماني وخطيب احد الجوامع عبد الله العديني عن النشاط المنبري التحريضي على الدوام.
والغريب ان محافظة تعز هي المحافظة الوحيدة التي جرى فيها اغتيال عاملين منظمات اجانب .
لا يخدم هذا الخطاب إلا اهداف الجماعة الحوثية التي تراهن على عدم استقرار وعلى الاختلالات الامنية في مناطق خارج عن نفوذها لتفرض نفسها. بل ان وصم المناطق الأخرى بالار.هاب والدعشنة يقع في صميم الاستراتيجية الحوثية.
لا يندرج خطاب العديني الذي اصبح يجتذب اليه اعداداً غفيرة من المتحمسين لدعاوى دينية واخلاقية هشة في اطار حرية التعبير لانه منفلت من المسوولية القانونية والفقهية ومن المسوؤلية الاجتماعية والاقتصادية بالدرجة الاساس.
تبدو مشكلة خطاب العديني تنازع فكري حول حرية شخصية وصراع بين تيار محافظ وتيار ليبرالي. لكن في جوهر الأمر هي مشكلة سكينة وأمن ونظام عام، لها طابع اقتصادي ومعيشي. اي انها جوهرية وترقى لتكون وجودية لملايين الناس.
هل خطابه ممجرد نزوع محافظ فقط ام انها مسألة سلطة ونفوذ؟
يتحرك العديني في فراغ اداري وسلطوي كبير. ويرجع ذلك إلى امرين. اولا تماهي السلطة المحلية خصوصا الجناح السلفي والإسلاموي فيها مع خطابه نتيجة الاشتراك في القيم والمعايير. ثانيا تقاعسها عن واجبها وعدم استشعارها للمهددات الامنية على المدى المتوسط واهمال دور ادارة الشؤون الدينية في وضع محددات خطاب منبري يراعي حساسيات المرحلة.
ينزع المحافظون إلى رفض اي استحداث في السلطة الرمزية يشاركهم النفوذ ويصرف الناس عنهم. وهم في العموم يدّعون الاهتمام بالأخلاق والقيم والحرص على الدين والتقاليد ولا ينظرون إلى البعد الاقتصادي والمعيشي في المجتمع. وبما انهم قادرون على تعبئة الناس فانهم سيعالجون الجانب الاقتصادي باحتكار قنوات المساعدات الذي سيتلقونها والتحكم بالصرف لتتعزز سلطتهم الدينية والدنيوية على الناس ويصبحون اصحاب فضل وفضلين على الناس.
قيام طرف آخر بمعالجة جوانب معيشية يعني تجريدهم من وسيلة نفوذ صالحة للتوظيف الايديولوجي والمذهبي. وهذا مكمن عدائهم للمنظمات.
يمكن وضع ملحوظات ونقد لسلوك المنظمات ويمكن معالجة الأمر بسهولة عبر السلطات المركزية للدولة والسلطات المحلية التي تحدد مساحة تحرك المنظمات واوجه عملها لما يستجيب وتقديرها للأولويات والاحتياجات.
لكن لماذا تتراخى القوى الاجتماعية والسياسية الدينية امام سلوك العديني ؟
العديني هو الصوت الصارخ للتفكير السائد في أوساط الإسلامويين بمختلف مشاربهم ومذاهبهم تجاه الحريات الشخصية ودور المرأة وهامش حركتها وبناء وتوزيع السلطة الرمزية داخل المجتمع.
تختلف معه هذه الأوساط الدينية-السياسية في التوقيت وطريقة العرض ودرجة وحدة الفكرة لكن ما يجمعهم اكبر بكثير من اوجه الاختلاف.
وهذا امر شامل لكل الجماعات في اليمن ويمثل نقطة التشابه بين الحوثية وغيرها.
تفضلت استاذة علم الاجتماع الجامعية ألفت الدبعي بطلب رفع الحصانة عن العديني لترفع قضية ضده.
هل يحق لألفت رفع قضية؟
نعم وهذا افضل سلوك مدني وقانوني وشرعي. افضل من التحريض والتحريض المضاد.
لكن قد ينبري احدهم ويسأل معترضا : لما لا ترفع ألفت دعوى ضد الحوثيين الذين لا يقلون عن العديني في التعدي اللفظي على النساء بل واتخاذ سياسات قمعية بفرمانات ادارية ضد النساء؟
هل عليها ان ترفع دعوى ضد الحوثيين ؟ نعم ولكن اين. إذا رفعت لدى الحوثيين فهذا يعني انها تعترف بولايتهم القضائية وشرعيتهم السياسية.
ولا تستطيع رفع دعوى ضد اي طرف حوثي لدى الحكومة الشرعية لعدم استطاعت الشرعية على تنفيذ أحكامها وخروج المحكوم عليهم عن ولايتها المكانية الفعلية.
ارى انه من الافضل للجميع ان يتحول العديني إلى مواطن عادي بلا حصانة برلمانية ويتعامل القضاء معه ويحكم له او عليه.ما دون ذلك فإننا نتعمد في اغراق تعز بمشاحنات واستغلال المنابر والمساجد سيما والعديني من موقعه وسلوكه وخطابه يؤدي الوظيفة المطلوبة حوثياً.
بالمعنى الاستراتيجي من الأفضل تقديم العديني للقضاء.