عن جحيم العيش.. من المسؤول
لم يزل الريال اليمني في رحلة الانحدار نحو هاوية سحيقة لم يُرَ لها قاع بعد؛ فمنذ أن استعرض الريال عضلاته، وعلت هتافاته، واستنجد بمناصريه وحشد أعوانه في فبراير عام 2011م، مطالبًا بإعادة اعتباره ومساواته بالدولار قيمةً وصرفًا.
كيف لا، وهو "الريال" الذي يُمثّل أصل العرب وعراقة التاريخ، هكذا قالت ثلّة زعمت تبنيها ثورة إعادة الاعتبار لكل ما يتعلق بكرامة وقيم الإنسان، علاوة على إعادة القوة والمجد التي كانت تمثلها العملة المحلية أمام عملات العالم. ثم ماذا حصل؟
ها هو اليوم، وبعد مرور عقدين واثني عشر عامًا من مشهد اللا سلم واللا حرب اليمنية-الخليجية-الإيرانية-الدولية، والريال تتقاذفه أقدام بغاة المصالح والأطماع، كمن يخنق مريضًا ميؤوسًا من شفائه، فيصبح مدعاةً للإشفاق عليه؛ فلا هو أماته، ولا هو تركه يحيى ويعيش وجعه وألمه محتسبًا أجره وثوابه على الله مؤملًا بالعوض الجميل.
لقد تعدى انهيار الريال زمانه، متجاوزًا العام 2024م، حيث يواصل سيره ليبلغ 2027 ريالًا مقابل الدولار الواحد، ويصاحبه ارتفاع في كل ما يتعلق بالسلع الاستهلاكية والمواد الغذائية للمواطن.
من المسؤول؟
وفي ظل استمرار هذا التهاوي والانحدار للعملة المحلية، مصحوبًا بتردي الأوضاع المعيشية، مارس المسؤولون في الرئاسة والحكومات المتعاقبة عملهم وفق استراتيجية إلقاء اللائمة على الخصوم، متذرعين بأن الطرف الآخر هو السبب فيما حصل ويحصل لهذا الشعب المسكين المغلوب على أمره. فالحوثي يلقي بالتهمة على "دول العدوان" حسب زعمه، ودول التحالف تتهم الحوثي.
بينما الانتقالي يلقي باللائمة على حكومة الشرعية، والشرعية تتذرع بفشلها بعرقلة الطرفين؛ الحوثي والانتقالي، لمسار التنمية. ويا بقرة صبّي لبن.
ويجتمع المسؤولون بمختلف المكونات والاتجاهات في نقطة محددة، وهي أن جميعهم يعلمون بواقع حال المواطن البائس، حتى يُقال إن النوم يؤرّق أجفانهم وقد ضاقت بهم أنفسهم حزنًا على شعبهم.
لقد أقسم بعضهم ألا يتلذذ بعيش هنيء، أو مركب وطيء، ولا يسكن الفلل والقصور، ولا يقبل لنفسه مرتبًا بالدولارات، بينما شعبه يموت جوعًا ومرضًا ولا يتحصل على حقه من فتات مرتب الريالات.
وبعد... أليس جميعهم مسؤولين؟ أليس معظمهم عملاء منقادين؟ أليس جميعهم مشاركين في صناعة هذا الواقع المزري والأليم؟ أولن يخلدهم التاريخ في صفحاته كقادة الفشل؟