في ذكرى ثورة أكتوبر المجيدة ال 61 : اليمنيون لم يتَّحدوا بعد
دولة الجنوب نتاج توحد ٢٣ سلطنة وإمارة ومشيخة ، السعودية كبرت مساحتها وتضخّمت ، فمن إمارة الدرعية الصغيرة في نجد إلى مملكة تضم مساحة شاسعة تمتد من حدود عمان واليمن جنوبًا إلى الحجاز ومصر غربًا ، إلى الخليج والعراق شرقًا .
الإمارات العربية المتحدة نتاج توحد بين إماراتها المتصالحة ، كما والولايات المتحدة والصين وروسيا والهند والبرازيل وكندا والمانيا جميعها نتاج توحد سياسي .
التوحد قوة وتنمية وازدهار ، ونحن للأسف لم نتوحد سياسيًا من أجل نهضة واستقرار ورخاء اليمنيين ، وإنَّما كان توحد بين نظامين سياسيين قمعيين ومستبدين ، وحدة تشكَّلت بقرار عاطفي مرتجل جمع كل البيض في سلة واحدة ؛ فخسرنا البيض والسلة معا ، ففي المحصلة كان ولابد أن يستأثر أحدهم بالسلطة وبكل شيء .
وحدة في الأساس لم تقم بشكل عادل ويرضي كافة اليمنيين المتوحدين ، بل كانت منصفة ومرضية للساسة الموحدين ، الذين تقاسموا المناصب والدرجات والوظائف والغنائم ، تاركين الملايين تتفرج ، وتحتج ، وتهيج ، وتخسر كل ما كان في متناول يدها من مكاسب وخدمات .
إنني كثيرًا ما اسأل الساخطين على التوحد : أين التوحد السياسي الذي أفادنا وسخر لأجلنا ؟ لماذا توصفون الوحدة بالوحلة ؟ .
الواقع أنَّ اليمنيين بقدر ما تحققت لهم انجازات تنموية وسياسية ؛ هضموا من الكثير من المكاسب الاقتصادية والاجتماعية ، بل وفقدوا الأرواح والدماء والمصالح والوقت والمال ومازالوا إلى اللحظة يدفعون ثمن الفشل السياسي والإداري .
التوحد فكرة عظيمة واداة عصرية لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية وفي سبيل رخاء وقوة المجتمعات المتحدة .
الخلل الكبير ليس في أننا توحدنا شمالًا وجنوبًا ، وإنما في أننا أضعنا الشمال والجنوب في متاهة توحد يفتقر لأبسط المقومات والمداميك التي يستقيم عليها ويأمِّن مسيرتها ويمنحها الكينونة .
لا تلعنوا الوحدة ، والعنوا الموحدين الذين لم يكونوا على مستوى الحدث التاريخي الذي قُدِّم لهم على طبق من ذهب .. ساسة أثبتوا أنهم أشبه بديكة تتعارك على حبة حنطة أو بقايا طعام .
اذا كانت الوحدة وحلة فكيف لنا تبرير حرب روسيا وأوكرانيا ؟ ولماذا الصين تحارب العالم من أجل استعادة جزيرة تايوان برغم ضخامة التنين الصيني ؟ .
ولماذا تتمسك بريطانيا بجزر صغيرة متناثرة في المحيطات ؟ ولماذا تحتل إيران جزرا صخرية تابعة للامارات ولا تتوافر فيها مقومات الحياة ؟! .
كيف يمكن تفسير استعادة السعودية لجزر في خليج العقبة وكانت تحت سيطرة المصريين منذ الخمسينات ؛ فهل السعودية تنقصها المساحة أو الثروة ؟ . وكيف يمكن تفسير فقدان اليمن لمساحات جغرافية كانت في متناول اليد في صحراء الربع الخالي أو شمال الشمال ؟!.
الإتحاد الأوروبي يضم ٢٧ دولة ، تحاربت مع بعضها قرونًا من الزمن ، وكل دولة تحتفظ بذاكرة سيئة ومؤلمة ، لكنها عدَّت مآسيها الماضية جزءًا من التاريخ ، فلم تتحدث أنها فقدت الملايين ، وأن مدنها دمرت وثرواتها نهبت ، فكل هذه الذكريات أضحت إرثًا من التاريخ .
اليوم الإتحاد بعلم وعملة وبرلمان ومتحدث رسمي واحد ، كيف حدث ذلك وما قيمة جزيرة مالطا لدولة كالمانيا أو فرنسا ؟ .
التوحد لديهم قوة ورخاء وتشارك ، ولذلك عندما فقد الإنكليز بعض الامتيازات والمكاسب ، قرروا الإنسحاب من عصمة الإتحاد بعد مفاوضات مضنية تكللت بالخروج النهائي .
لا أحدثكم هنا كيف تعاطت ألمانيا الغربية مع ألمانيا الشرقية عند إعادة توحيد المانيا في ٣ اكتوبر ١٩٩٠م ، لقد تحملت حكومة المستشار ' هيلموث كول ' الرأسمالية الغنية كلفة هذا التوحد مع الدولة الاشتراكية الفقيرة اقتصاديا ، دفعت الأولى تريليونات الماركات في موازنتها السنوية من أجل تأهيل الجزء الشرقي .
كما وتعاملت دول الإتحاد الأوربي مع الدول الشرقية بمنطق التأهيل المتدرج لكل دولة ، وعلى هذا الأساس تم دعم اقتصاديات تلك الدول كي تحقق الشروط المطلوبة منها للانتساب لعضوية الإتحاد .
والمهم في المسألة أن حكومات هذه الدول لم تؤسس وحدتها على أساس رأسي يبدأ من أعلى هرم الدولة وبتقاسم السلطة والمناصب مثلما حال الوحدتين اليمنية ٢٢ مايو ١٩٩٠م أو السورية المصرية ١٩٥٨- ١٩٦١م .
فتوحد هؤلاء أنشئ بشكل أفقي ، أخذ بالحسبان مصالح شعوبهم ، ولهذا رأينا كيف كانت الخطوات متدرجة ، بدأوا بالتجارة البينية والمنافع العائدة على المجتمعات ، بحيث يشعر الناس قيمة التوحد .
ولهذا لم يشغلوا ذاتهم كثيرا بتوزيع المناصب أو المكاسب الشخصية وانما بتوحيد التعرفة الجمركية والأسواق وتبادل المنافع الاقتصادية وفتح الحدود ووالخ
ما يعني أنهم وضعوا اقتصاديات بلدانهم وعائداتها على مجتمعاتهم ودولهم كأولويات وفوق أي اعتبار آخر سياسي أو تاريخي .
وينبغي أن ندرك أن المقدمات الخاطئة لا تفضي لغير نتائج خاطئة ، وحالنا الان يؤكد هذه المعادلة الحتمية ، فلو أنَّ ساسة هذه البلاد تعاطوا مع التوحد بروح المسؤولة الوطنية وبمقدار الفائدة العائدة على اليمنيين ؛ لما كانت النتائج كارثية ومأساوية .
إذن هذا ليس توحدًا ، وانما تمزقًا وتجزأة عشنا فصولها إلى وقتنا الحاضر ، التوحد كان شكلًا لا مضمونًا ، ما يعني أننا رأينا فيه ديمقراطية وتنمية محدودة وأحزاب وحكومات وبرلمان .
هذه المكاسب السياسية كانت موجهة ، وغير مقنعة ، وغير عادلة أو نزيهة ، فكان مآلها أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية ، وهذه الأزمات بدورها أفضت الى حروب كارثية مازلنا نعيش مآسيها إلى اللحظة .
فإذا كان التوحد سيئًا أو لعنة مثلما فهمه البعض ، فينبغي أن نعلم أن دولة الجنوب كانت نتاج توحد ، فثورة ١٤ اكتوبر المحتفى بذكراها ال " ٦١ " هي ثورة وحَّدت كامل مساحة وشعب الجنوب في كيان دولة واحدة من المهرة إلى باب المندب .
كما ووحدة اليمن في صميم أهدافها ومبادئها الثورية ، فلم تكن أبدًا ثورة على استعمار ومخلفاته فحسب ، وإنَّما ثورة ناشدة الحرية والعدالة والمساواة والازدهار لكل اليمنيين وفي كل مساحة اليمن ..