ماذا فعلت الطائفية بالمجتمعات ؟
منذ 48 مرت الشعوب العربية خصوصاً شعوب المشرق بمرحلتين متمايزتين ومتضادتين من المناعة السياسية والأخلاقية.
تمتد الاولى لنصف عقد ورغم الهزائم والانكسارات وانهيار المشروع العربي والخوض في عمليات سلام عرجاء وتطبيع جزئي من الكيان بحكم الواقعية السياسية او الأنانية القُطرية مع هذا تحصنت الشعوب -الشعوب تحديدا - بموقف ثابت من القضية الفلسطينية ورسمت لنفسها خطوطاً واضحة تعرف بها الصديق من غير الصديق.
قبل نصف قرن كانت معدلات التعليم اقل لكن ضمائر الشعوب يقظة ولم تخترقها الدعاية.
بل ان الشعوب التي انخرطت انظمتها في اتفاقيات وتبادل تجاري سري وعلني كانت اكثر يقظة وحذرا ووعياً ومانعة.
وكلما انزلق النظام اكثر نحو التقارب تعاضدت ممانعة الشعوب اكثر.
حتى التطبيع كان مرهونا بمكاسب عملية تستعيد الارض او تكبح تمدد الكيان وتفتح افاقا مستقبلية للسلام، ولو مجرد وهم.
المرحلة الثانية وتجلت اكثر ما يكون مع سقوط بغداد في يد النظام الايراني واجتثاث ملامح المرحلة السابقة. هي لحظة توغل النظام الايراني وتطييفه للمنطقة العربية واختطاف القضية الفلسطينية ودعم جماعات ارهابية لمجرد انها شيعية لتقتل وتفتك باهلها وجيرانها اولًا وأخيرًا تحت مسمى مقاومة الكيان حتى انهار السقف الاخلاقي واختلط العدو بالصديق وتغيرت الاولويات.
لم يعد اليوم معنى لاستباحة الأراضي العربية على يد الكيان المخضبة بالدم والجريمة. "ما سيحدث لن يكون اسوا مما حدث على يد اذرع ايران"، هذا لسان حال من اكتوى بنار الطائفية في عواصم عربية عديدة.
بفضل لعنة الطائفية والدعم الإيراني كان الكيان يفاخر بانه الاقل عنفاً وان حروبه الأكثر اخلاقية. نعم. لقد صفروا عداد حسابه من الجرائم بجرائمهم التي لا يستطيع اي خيال تصورها.
ان البعض اصبح يتصور ان الخلاص سياتي على شكل قنابل الكيان وصواريخه. ودعاية الكيان منتشرة تتبناها نخب ويسوقها افراد عاديون عربا ومسلمين.
اما التطبيع فأصبح بلا مقابل ولا مشروط سياسيا وخارج اي حساب للقضية الفلسطينية انما لمجرد احتواء التمدد الطائفي وأطماعه في بقية العواصم العربية.
اليوم العواصم العربية مجردة من اي قوة بما في ذلك القوة الدبلوماسية لكبح هذا الجحيم. لقد فاتت حتى فرصة بناء سلام بطرق دبلوماسية. شُطبت فكرة اقامة دولة فلسطينية من القاموس السياسي.
هذه حصيلة عقود من نسف النسيج الاجتماعي وإشعال فتن الطائفية وفك عقال مجرمين لديهم ثأر تاريخي متوهم من مسلمين مثلهم.
كل دول المشرق العربي اصابتها هذه اللوثة بما فيها اليمن التي تفكر شعوبها المنقسمة على هذا النحو. او ان خجلت فانها لم تعد تكترث لما ستأول اليه الامور.
فمن كان يتصور ان تصب صنعاء او الحديدة بقصف لطيران الكيان دون ان يشمل الغضب اليمن من اقصاه الى اقصاء. لقد فعلها الحوثي. أمات في الناس حمية الغضب على ارضهم واستخلط فيهم العدو والصديق.
لافتة اليوم العريضة في دول المشرق التي مستها لعنة النظام الإيراني وسم طائفيته الزعاف هي التشفي. هذه النتيجة الطبيعية لخوض معركة وطنية او قومية بشعارات طائفية ومن خارج الدولة الوطنية وعلى حساب السلم الاجتماعي والوئام التاريخيّ.
كل تمدد طائفي بالدم والكراهية والتصفية والتهجير كان النظير الموضوعي لاتساع رقعة الكيان وتغوله.
ها هو الامتداد الطائفي ينكمش باسرع مما هو متوقع تشيعه تغاريد المتشفييات المكلومات منه ويترك فراغا يملؤها صوت نتنياهو النشاز وتفاخره بان لا مكان في الشرق الأوسط إلا وتطاله يد كيانه.