السعودية وفيلم "حياة الماعز"! - مروان الغفوري
السعودية بحاجة لدعم المؤسسات وتحسين نظام العدالة وتطوير بنيتها الثقافية والقانونية.
فيلم "حياة الماعز" جاء في توقيت مناسب بالنسبة للسعودية، فهي بحاجة ماسة لمن يريها عيوبها ومشاكلها حتى وإن رفضت ذلك.
تجري قصة الفيلم في مطلع التسعينيات، وبمقدور السعودية الادعاء أن ذلك زمن غابر. غير أن الآلة السعودية لم تنضج كلّيا بعد. ففي العام ٢٠١٩ قال رئيس الوزراء الباكستاني إنه شعر بالحزن لأن السعودية رفضت دعوة منظمة المؤتمر الإسلامي لتدارس قرار الهند بإلغاء المواد الدستورية التي أعطت كشمير وضعاً خاصاً. أي: باتت تعتبرها جزء من الأراضي الهندية. إزاء شعور الحاكم الباكستاني بالأسف، الأسف لا أكثر، هبّت السعودية مطالبة إياه بإعادة مليار دولار كانت قد أقرضتها لباكستان. فما كان من الباكستانيين إلا أن ذهبوا إلى الصين وهناك حصلوا على مليار دولار أعادوها إلى السعودية.
من يرقص مع الشيخ هو عنوان لكتاب صدر بالألمانية قبل سنوات، كتبه مزود خدمة صحية عاش عاما في المملكة. يقول الكتاب، بشكل عام، إن السعودية، مجتمعا وسلطة، بلد يصعب توقع ردود أفعاله. وهو كذلك إلى حد بعيد.
لو أن رؤية ٢٠٣٠ ارتكزت، بشكل أساسي، على دعم المؤسساتية وتحسين نظام العدالة، تأسيس بنية ثقافية وقانونية لحقوق الإنسان لكان أفضل.
بمقدور أي دولة إن توفر لها المال أن تبني أحواضا للسالمون في صحراء اليمن (كما تندر فيلم شهير). غير أن ما يجعل الدول مستقرة وجديرة بالاحترام هو إحساس المواطن، والوافد، بأنه محمي بنظام عدالة كفؤ ومستقل.
فيلم حياة الماعز هو حفلة آلام محضة على طريقة فيلم آلام المسيح (في ذلك الفيلم تعرض المسيح للتعذيب لمدة ٢١ دقيقة!). السعودي، في فيلم حياة الماعز، شر خالص، والهندي خاضع محض. كليشيهات كلاسيكية وغير مفهومة، ولا حتى كيف يربي رجل معيزه في عمق الصحراء! حصل العامل الهندي على تعاطف العالم، وأضيف فيلم جديد إلى بحيرة السينما الغربية حول العربي المتوحش.
لم تأت القصة في فراغ، ففي جنوب ألمانيا، بالقرب من فرايبورغ، ثمة متحف يعج بصور الذين ماتوا وهم يبنون ملاعب قطر. ثمة صورة سوداء عن حقوق الإنسان في الدول العربية، وقبل أعوام نصحت صحيفة إسرائيل اليوم المناضلين الفلسطينيين بمشاهدة ما يفعله الأسد بشعبه قبل أن ينبسوا ببنت شفة ضد جيش الدفاع!
العالم الغربي يرى مقتل وإصابة ربع مليون فلسطيني في غزة حدثا جانبيا في حرب مشروعة، ذلك أن قيمه الأخلاقية تتسع في أماكن أخرى ليس من بينها الوجود الكامل لغير الأبيض النقي. تطمح السعودية للحصول على مكان يوازي مكان إسرائيل في الغرب، متجاهلة حقيقة أن اليهودية جزء من التاريخ والثقافة والمخيال الأوروبي. بل هم "ساداتنا وكبراؤنا" كما قال هيغل. تضحي السعودية بعالم مترامي الأطراف قوامه مليارا نسمة، وبتشكيل سياسي يتجاوز ال ٥٠ دولة، ذلك هو النهر العظيم الذي تقف السعودية عند منبعه وتدير له ظهرها. باكستان لا الهند، السودان لا إسرائيل، إندنوسيا لا الصين.
سبق لنتفليكس، قبل ثلاثة أعوام، أن رفضت عرض فيلم صنعه أحد الحاصلين على أوسكار، كان الفيلم يتحدث عن سيرة خاشقجي. كان ذلك سيبدو استهدافا مباشرا للسعودية، وقد تخسر نتفليكس في يوم واحد ملايين المشتركين (يدفع المشترك الواحد بحدود عشرة دولارات في الشهر). مع فيلم حياة الماعز يختلف الأمر، فهناك قصة هندية قيل إنها حقيقية، والمسألة دراما.
ستبقى السعودية كما كانت في الماضي عدوا للعالم الأبيض لأسباب عديدة أغلبها مفهوم وغير واضح. ستعود من كل محاولات التطبيع مع العالم المسيحي الأبيض خالية الوفاض. فما سبب إصرار الألمان، لما يداني نصف قرن، على أن يكون أي سلاح أوروبي سيصدر إلى السعودية German free، اي خال من أي مساهمة ألمانية ولو ضئيلة؟ ما من صراع بين الألمان والسعودية، لا أمس ولا قبل قرون.
سيلحق الفيلم أذى كبيرا بصورة السعودية، ليس لمعقولية قصته بل لأنها جاءت داخل أفق تلقي مهندس سابقا، فالسعودية بلاد الوحشية والصحراء والنساء المضطهدات. سيغذي الفيلم توقعات ورغبات كثيرين، وليس للسعودية الكثير من الأصدقاء على كل حال. لو أن خطة ٢٠٣٠ تتسع ل"كسب الأصدقاء" لكان أفضل.
تحسين صورة المملكة لن تنجزها هذه اللعبة: قررت السلطات منع الغناء في النوادي. قررت السلطات السماح بالغناء في النادي. لتتسع خطة ٢٠٣٠ لتقنيات اجتماعية تسمح للمجتمع نفسه بالنمو دون تدخل السلطات. السعودية سفينة العالم المسلم، فهناك النبي والكعبة والتاريخ. العالم لا يبغض السعودية لأنها امتلكت "الفاكهة المحرمة" كما كتب يوسف الديني. السعودية تضع كل عناصر قوتها في القبو، وفي الإسطبل، وتذهب إلى اللئام لتستجديهم.
ثمة رائحة سيئة في الدنمرك، قال شكسبير ذات يوم. وإعادة هندسة نظام العدالة في السعودية بحيث يتسع لكل الناس ويتواءم والقيم الحديثة أهم بكثير من مشروع لاين ومدينة نيوم