غياب السلطة الحقيقية التي تمثل اليمنيين والتأثير الاقليمي على واقع القرار عمق الإنهيار الاقتصادي والمالي في اليمن
التحقيقاتتحقيق / عبد الرب الفتاحي
فشلت الحكومة في المناطق التي تسمى محررة ،في احداث أي تطور سياسي واقتصادي أو مالي، ولم تعد تملك حكومة أحمد أبن مبارك استراتيجية لرسم خطوات فعلية، لإنهاء فساد المسؤولين الكبار والوزراء، وكذلك انهاء واقع الصفقات السياسية ، التي كرست في السنوات الماضية من الحرب ،حيث تدهور وضع اليمنيين بشكل كبير مع تولي معين عبد الملك وأحمد أبن مبارك الحكومة ، فواقع اليمنيين يتجه لما هو أسوأ، لكن دور الحكومات غالباً لا يتركز إلى تعزيز امكانية اليمنيين، لمواجهة التدهور العام الاقتصادي والمالي والسياسي .
تتهرب حكومة أبن مبارك من وضع استراتجية فعلية ،لوضع معالجات وانقاذ اليمنيين من التدهور الحاصل في واقعهم المعيشي، وتفتقد حكومة أبن مبارك أيضاً للكفاءة فهي حكومة ترقيعية أتت على واقع حكومة سابقة، تسببت بالكثير من الخسائر والفشل في العديد من الجوانب الاقتصادية والمالية .
فحكومة أبن مبارك ليست فعالة على مستوى واقع الحلول وليست مستقلة، وهناك من صار يتهمها أنها حكومة متشبعة بالفساد الذي يتفاقم في داخل أجهزتها، ومصالح الكثير من المراكز والأجهزة داخل الحكومة، والتي صارت تمثل عائقاً أمام انهاء فساد الشخصيات الكبيرة ، وبقاء واقع الحكومة على شكله القديم الذي لم يتغير ،إلى جانب ما يتقاضه المسؤولين والوزراء من مرتبات كبيرة وبالعملة الصعبة.
حكومة غير متوازنه
تشكلت حكومة أبن أحمد مبارك في بداية فبراير من هذا العام، لتكون بديلاً عن حكومة معين عبد الملك والتي أتهمها الكثير من الخبراء الاقتصاديين والماليين ،أنها لم تحدث أي تغير، بل أنها عمقت أزمة واقع الانهيار الاقتصادي والمالي وأتجهت هذه الحكومة بالعمل بعيداً عن أي ضوابط ،وزاد الاختلال في واقع العمل المؤسسي والسياسي، بل كانت كل اتجاهات حكومة معين هو التعامل بعشوائية وفساد، مع العديد من الاولويات المرتبطة بالاصلاح المالي والإقتصادي .
اليمن من خلال نتائج تحديات التنمية لعام 2021، هو البلد الثاني الذي يواجه أشد التحديات التنموية على مستوى العالم، من بين 159 بلداً بدرجة 0.635 مما يعني أنه لا يزال في فئة التحديات المرتفعة وقد تراجع ترتيبه بمقدار 26 مركزاً مقارنة بعام 2000.
تعمل كل حكومة في〔 نطاق السلطة المعترف به دولياً 〕 وفق السيطرة السياسية والحزبية، والمصالح المحددة والإقليمية لفرض خياراتها ،والعمل بناءً على مشاريع شخصية وسياسية واقليمية.
هذا أساس الكارثة المرتبطة بوجود هذه الحكومات المتلاحقة، التي كان وجودها شكلي، بل أن وجود هذه النماذج من الحكومات لا يقدم ولا يؤخر على حياة اليمنيين.
كما أن رئيس الحكومة السابق معين عبد الملك والحالي أحمد أبن مبارك، الشخصان لا يتوفر لديهما نشاطاً مهنياً وخبرة مالياً واقتصادية ،بقدر ما يرتبط وجود مثل هذه الشخصيات عن ظروف سياسية ، تقوم على خيارات محاصصية حزبية واقليمية للعمل وفق نطاق شكلي ،بينما لا تمتلك الحكومات اليمنية أي تأثير ، فخلال سنوات محدودة انهار الواقع المالي وكان الوضع الإقتصادي متردياً وسيئ، ورغم التعاطي السلبي مع ما يمر به الاقتصاد ،لم توجد استراتيجة اقتصادية عميقة، تعزز واقع الاقتصاد وتعزز قبضة الحكومة والبنك المركزي في المحافظة على الظروف الاقتصادية والتحكم بكل الأنشطة المالية ، فالحكومات ما بعد 2020 ظلت تنظر لواقع انهيار العملة، بنوع من عدم الجدية في وضع الحلول أو الاستخفاف .
ترتبط الظروف السياسية في اليمن بالعديد من السياسات والتدخلات السلبية، فالسلطة في اليمن ليست سلطة مستقلة تقوم بإدارة الواقع السياسي والإقتصادي ،بإستقلالية وضمن وجود سياسة واستراتيجية واضحة، فالسلطات في اليمن والسياسات وتقاسم هذه السلطة تقوم وفق محاصصة اقليمية.
الاضطراب الكبير في واقع وسياسات الحكومة، حسب العديد من الخبراء والمختصين الماليين والإقتصاديين ،سببه ضعف صلاحية الحكومة وعدم استقلالها الداخلي والسياسي، حيث عجزت معالجات الحكومة لإيقاف الفوضى المالية والإقتصادية، مع اتساع الفساد لخدمة مصالح العديد من الشخصيات .
هذا أدى إلى انعدام وجود أي اتجاه من الحكومة لإحداث تغيرات حقيقية في داخل المؤسسات ،فإنقسام هذه الحكومة وتأثير التدخلات الاقليمية، شكل عائق في توجهاتها للعمل على التحرك بحرية ومسؤولية.
الاقتصاد اليمني يضعف مع غياب أي سلطة حقيقية وفعالة ،تستطيع العمل بعيداً عن ماهو مرسوم لها من خيارات اقليمية ،فيما يظهر أن السلطات في اليمن سلطات شكلية ،فسلطة المجلس الرئاسي والحكومة هي سلطة غائبة، فيما التأثير والقرار يبرز من خلال تكريس بعض الدولة الاقليمية، في سيطرتها على الواقع السياسي والإقتصادي .
وترتبط الظروف السياسية في اليمن بالعديد من السياسات والتدخلات، فالسلطة في اليمن ليست سلطة مستقلة تقوم بإدارة الواقع السياسي والإقتصادي ،بإستقلالية وضمن وجود سياسة واستراتيجية واضحة.
كل السلطات في اليمن والسياسات وتقاسم هذه السلطة تقوم وفق محاصصة اقليمية، ضمن النفوذ الخارجي، وهذا برز من خلال الضغط السعودي على المجلس الرئاسي والحكومة والبنك المركزي، للتراجع عن القرارات التي أتخذها البنك المركزي لاعادة توحيد المؤسسات المالية والاقتصادية ،ولم تستمر سياسات البنك المركزي اليمني في عدن طويلا، فقد تم افشالها واعادة واقع الانقسام ،وهذا تسبب بتراجع العملة دون أي استقرار لها، وبقاء الانقسام المالي والسياسي ضمن واقع أخطر ،وله تداعيات طويلة على واقع اليمن السياسي والإقتصادي .
تفتت الاقتصاد مع الفساد والانقسام السياسي
الضعف الكبير لواقع اليمن الاقتصادي، سببه رغبه الاطراف السياسية والإقليمية لبقاء الوضع على ما هو عليه، كما أن العديد من السياسيات السيئة مازالت تقف عائقاً أمام أي اصلاحات ؛منها استمرار مليشيات الحوثيين بإتباع سياسات الاستقلالية الخاصة بها ،فيما يرتبط بإستثمار مناطق واسعة لصالح وجودها وسيطرة جماعة قليلة، على المليارات دون أي عمل مؤسسي والتزامات أو أي مسؤوليات اتجاه اليمنيين، فخلال سنوات الحرب سيطرت مليشيات الحوثي على المليارات ووضعت كل الامكانيات المناطق التي تحت سيطرتها، لخدمة شخصيات معينة مرتبطة بنظام الحكم المحدود .
قام الحوثيون خلال فترة حكمهم بفرض الاتاوات والجبايات ،والسيطرة على الشركات الحكومية والخاصة، وسعوا لفرض واقع تفكيك لليمن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتعميق ازمات متعددة كلها أدت لضعف الواقع الاقتصادي، وانهيار واقع اليمني ماليا ومعيشيا.
خالد عبد الله يحيى خبير اقتصادي ومالي" أساس المشكلة في اليمن مع الحرب ،هو غياب المؤسسات السياسية والإقتصادية والمالية المستقلة والسيادية ،وسيطرة المصالح الشخصية والسياسية والاقليمية على واقع اليمن ،وهذا أفشل كل الخطوات لتحديث المنظومة الاستراتجية القائمة لخدمة اليمنيين.
وهذا ما جعل هناك تقييم للواقع الاقتصادي لليمن، بإنه متردي في أدنى مستوى له ففي 30 مايو/أيار، 2023 أصدر البنك الدولي مُذكِّرة اقتصادية قُطْرية جديدة خاصة باليمن ،تُسلِّط الضوء على التحديات التي يواجهها هذا البلد، والفرص المتاحة لتحقيق التعافي والنمو الاقتصادي، ويستخدم التقرير المُعنوَن "المستقبل: بارقة أمل في أوقات قاتمة" طُرقاً مبتكرة في جمع البيانات، كما يُقدِّم تحليلاً شاملاً للأوضاع الاقتصادية الراهنة في اليمن.
ووضح التقرير أنه إذا تم التوصُّل إلى اتفاق سلام دائم في اليمن، فقد يكون ذلك إيذاناً "بعوائد سلام" كبيرة لأبنائه، والتي تتمثل في زيادة تصل إلى 6 نقاط مئوية في مسار نمو إجمالي الناتج المحلي ،والتي ستؤدي إلى زيادةٍ تراكميةٍ في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بمقدار الثلث على مدار السنوات الخمس القادمة بالمقارنة بالوضع الراهن.
وقال التقرير "ستصاحب هذه الزيادة نموٌ كبير في حجم الاستثمارات العامة والخاصة، ومعدلات التوظيف، والإنتاجية وكذلك انخفاضٌ في نسب الفقر ،ومن أجل الإسراع بجهود إعادة الأعمار والتعافي في البلاد، سيكون من الضروري أيضاً أن تصاحب هذه الزيادة مساعداتُ من المانحين الخارجيين على نطاق واسع."
وسيم عبد الرحمن أكاديمي متخصص في الجانب الإقتصادي والمالي "سياسية مليشيات الحوثيين أنهكت اليمنيين وحرمتهم من حقوقهم ومرتباتهم ،وتتعامل مع مفهوم السياسية والإقتصاد بإعتباره حق مقدس لها"
لكن تكمن الظروف المسيطرة في واقع الحرب في اليمن ،أن هناك استثمار لكل الموارد والثروات والامكانيات، لصالح اطراف وقوى هي من تمارس سياسة الاستحواذ على امكانيات وموارد هائلة، وبذلك تعزز واقع الفساد والنهب سواء من قبل مليشيات الحوثي ،وحتى في مناطق سيطرة المجلس الرئاسي ،حيث تذهب الكثير من الموارد لمصالح الاطراف المتحكمة بالعديد من المناطق والمساحات في اليمن، سواء في الشمال أوالجنوب أوالشرق أوالغرب .
يذهب خالد عبد الله يحيى وهو خبير اقتصادي ومالي أن أساس المشكلة في اليمن مع الحرب هو غياب المؤسسات السياسية والإقتصادية والمالية المستقلة والسيادية ،وسيطرة المصالح الشخصية والسياسية والاقليمية على واقع اليمن ،وهذا أفشل كل الخطوات لتحديث المنظومة الاستراتجية القائمة لخدمة اليمنيين ،التي يمكن أن تفرض نوع من التطور في عمل المؤسسات، وتعزز تطوير كفاءة الموارد المالية والإقتصادية .
وسيم عبد الرحمن اكاديمي يمني "المجلس الرئاسي سلطة غير فعالة، فهو منقسم ،ولا يمثل الواقع اليمني بشقيه الإقتصادي والسياسي، ولم يأتي المجلس الرئاسي كسلطة سياسية وشرعية وفق اختيار اليمنيين ،كما أن قرارات هذا المجلس لا تتركز على المعالجات.
وقال خالد عبد الله " الحرب افرغت الدولة من كل مؤسساتها السيادية والمالية ،كما أن الأطراف التي أتت بعد الحرب سواء المليشيات الحوثية بنهجها السياسي والاقتصادي الكارثي، وهي من عطلت امكانيات الدولة وأوجدت انقسام وتفكك عمل الدولة، وذهب الحوثيين لتشكيل اقتصاد عائلي اُستثمرت فيه كل الامكانيات لصالح الحوثي والعائلات الهاشمية ،والقيادات الحوثية التي تمثل واقع سلطة المليشيات "
وأضاف أن المجلس الرئاسي والسلطة التي كان يمثلها الرئيس عبد ربه منصور هادي ، لم تكن سلطة لها خيارات تمثل واقع اليمنيين ،بل أهدرت الامكانيات والموارد وشكلت المحاصصة والفساد، والتدخل الاقليمي خاصة التحالف ليضعف من الحلول والخيارات المالية والإقتصادية.
اليمن من البلدان الأقل نمواً
ووفق تقييم دراسة قطرية للإسكوا التابعة للأمم المتحدة في عام 2021 ،فإن اليمن هو أحد البلدان العربية الخمسة التي تنتمي إلى فئة البلدان الأقل نمواً، وتمثل هذا البلدان أفقر وأضعف الشرائح المجتمع الدولي، حيث تبلغ حصتها من الناتج المحلي الأجمالي العالمي أقل من 2 في المائة ىوتبلغ حصتها من التجارة العالمية في السلع نحو 1 في المائة .
وتعترف الدراسة أن اليمن من خلال نتائج تحديات التنمية لعام 2021، هو البلد الثاني الذي يواجه أشد التحديات التنموية على مستوى العالم، من بين 159 بلداً بدرجة 0.635 مما يعني أنه لا يزال في فئة التحديات المرتفعة وقد تراجع ترتيبه بمقدار 26 مركزاً مقارنة بعام 2000.
في أواخر مايو 2023 كشفت تقرير للبنك الدولي أن الصراع في اليمن ،أدى إلى انكماش بنحو 50.% من اجمالي الناتج المحلي الحقيقي بين عامي 2011 إلى 2022 ،كما الحق اضرار ودمار بأكثر من ثلت المدارس والمنازل والمستشفيات، ومنشآت المياة والصرف الصحي في البلاد ،ويوضح التقرير البنك الدولي أن المؤشرات الانتاجية كانت ضعيفة بالفعل قبل نشوب الصراع لكنها زادت تدهوراً مع اشتداد العنف.
تعمل كل حكومةيمنية وفق السيطرة السياسية والحزبية ،والمصالح المحددة والإقليمية لفرض خياراتها، والعمل بناء على مشاريع شخصية وسياسية واقليمية، وهذا أساس الكارثة المرتبطة بوجود هذه الحكومات المتلاحقة التي كانت وجودها شكلي.
ويتناول تقرير البنك الدولي واقع الانهيار الذي اصاب اليمنيين " تراجع النشاط الاقتصادي منذ عام 2015 وما خلفه من آثار على مستوى الأسر اليمنية، إذ شهد معظم السكان هبوطاً حاداً في مستوى معيشيتهم، ومن بين العوامل التي أسمهت في تكاليف المعيشة انخفاض قيمة الريال ،منذ بدأ الحرب والمعوقات المادية والقيود التي تحول دون النفاذ إلى الأسواق ،والتحول في أنماط الإنتاج الزراعي من المحاصيل الغذائية إلى المحاصيل النقدية".
وسيم عبد الرحمن اكاديمي مالي واقتصادي يمني يعتبر أن التقارير الدولية ، أنها لا تنظر إلى واقع الكارثة في اليمن بشكلها الحقيقي ،كما أن التقارير التي تصدرها المنظمات الدولية والأممية لا تتناول ظروف الاقتصاد المالي والاقتصادي، ضمن ظروفه وخلفياته ، التي تأكلت بفعل الفساد وانقسام الواقع المالي، كما أن واقع ما يحدث في اليمن يرتبط أساسا بغياب أيسلطة فعلية تتبنى معالجات اقتصادية ومالية فعالة .
وقال وسيم "لموقع اليمني الجديد " القرار مختطف وليس هناك سلطة فعلية اختارها اليمنيين، هي من تمارس دورها على الأرض، فالحوثيين سلطة مليشياوية حرمت اليمنيين من حقوقهم، وعملت على الثراء وجمع المال لصالح أسرة محددة .
وأضاف أن سياسية مليشيات الحوثيين أنهكت اليمنيين وحرمتهم من حقوقهم ومرتباتهم ،وتتعامل مع مفهوم السياسية والإقتصاد بإعتباره حق مقدس لها"
ولفت وسيم أن المجلس الرئاسي سلطة غير فعالة، فهو منقسم ولا يمثل الواقع اليمني بشقيه الإقتصادي والسياسي، ولم يأتي المجلس الرئاسي كسلطة سياسية وشرعية وفق اختيار اليمنيين ،كما أن قرارات هذا المجلس لا تتركز على المعالجات، فالامتيازات المجلس والمخصصات الهائلة له وللحكومة كبيرة ،وهي من تستنزف الموارد والمساعدات إلى جانب وجود قطاعات اقتصادية مالية وسياسية مستقلة .