ليس إمام أوغلو فقط: عشرات الآلاف من السياسيين في سجون تركيا
الأخبار العالمية
لا تهدأ الاحتجاجات في تركيا منذ اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي يعد أقوى منافس لأردوغان، ولكنه مجرد سجين من بين عشرات آلاف السجناء السياسيين في تركيا. فيما يلي مجموعة منهم.
أكرم إمام أوغلو
أكرم إمام أوغلو سياسي عصري وفصيح، يحاول إشراك المعارضين والتقارب منهم بدلًا من تقسيمهم. وربما هذا الأسلوب السياسي غير المألوف في تركيا هو أيضًا الذي ساعد أكرم إمام أوغلو البالغ من العمر 53 عامًا في تحقيق شعبية كبيرة خارج حدود حزبه. وقد اختاره حزبه، حزب الشعب الجمهوري، الذي يعد أكبر حزب معارض في البلاد، كمرشحه الرئاسي - على الرغم من اعتقاله بتهم تتعلق بالفساد والإرهاب.
وصحيح أنَّ الانتخابات الرئاسية موعدها العادي بعد ثلاثة أعوام؛ بيد أنَّ إدانة أكرم إمام أوغلو قد تضمن الآن استبعاد أقوى منافس للرئيس إردوغان من الانتخابات. وأثار اعتقال أكرم إمام أوغلو وأمر القضاء بحبسه على ذمة التحقيق أكبر احتجاجات للمعارضة في تركيا منذ ما يعرف باسم احتجاجات حديقة غيزي عام 2013. وعلى الرغم من انتشار الشرطة بكثافة فقد خرج عشرات الآلاف من الأتراك إلى الشوارع في جميع أنحاء تركيا.
عثمان كافالا
واحتجاجات متنزه غيزي هذه بالتحديد هي التي اعتقل بسببها رجل الأعمال التركي وراعي الثقافة والناشط في مجال حقوق الإنسان عثمان كافالا في عام 2017. وقد أمضى في بداية الأمر نحو ثلاثة أعوام مسجونًا على ذمة التحقيق، لأنَّ القضاء اتهمه بتنظيم المظاهرات التي شارك فيها أكثر من 3 ملايين ونصف مليون شخص في عام 2013. لقد خرجت تلك الاحتجاجات في الأصل ضد مشروع بناء مثير للجدل في متنزه غيزي بإسطنبول. ولكن الاحتجاجات تصاعدت بسرعة بعد تدخل الشرطة بعنف ضد المتظاهرين وتحوّلت إلى مظاهرات في جميع أنحاء تركيا ضد حكومة حزب العدالة والتنمية.
وفي شهر شباط/فبراير 2020 صدر فجأة حكم براءة لعثمان كافالا لعدم وجود أدلة - ولكن لفترة قصيرة فقط. فقد أصدر بعد ساعات قليلة فقط مكتب المدعي العام في إسطنبول مذكرة اعتقال جديدة بحقه - وهذه المرة بتهمة مشاركة عثمان كافالا في محاولة الانقلاب، التي شهدتها تركيا في عام 2016. وعلى الرغم من إسقاط هذه التهمة لاحقًا، لكن حكم عليه في نيسان/أبريل 2022 بالسجن المؤبد من دون إمكانية وقف التنفيذ بتهمة محاولته إسقاط الحكومة في سياق احتجاجات متنزه غيزي في عام 2013.
جان أتالاي
ومع عثمان كافالا، تم الحكم أيضًا على محامي حقوق الإنسان والسياسي التركي جان أتالاي، الذي يقضي حاليًا حكمًا بالسجن لمدة 18 عامًا في سجن مرمرة في إسطنبول بتهمة "المساعدة في محاولة الانقلاب" المذكورة. وبصفته محاميًا فقد سبق لجان أتالاي الدفاع عدة مرات عن متضررين من كوارث مناجم مختلفة وكذلك عن صحفيين وكتاب في نضالهم من أجل العدالة وحرية التعبير. وكان يمثِّل أيضًا منظمة حقوق مدنية تأسست من أجل العمل ضد خطط البناء في حديقة غيزي.
وبالرغم من إدانته، فقد رشحه حزب العمال التركي للانتخابات البرلمانية في عام 2023. وفاز جان أتالاي أيضًا بمقعد نيابي، ولكن سُحب منه في مطلع عام 2024، مما أدى إلى احتجاج المعارضة بشدة ولكن من دون نجاح في البرلمان التركي. أما المتهمين الستة الآخرين مع جان أتلاي - وهم موجيلا يابيجي وتشيديم ماتر وهاكان ألتيناي ومين أوزردين وييغيت علي إكمكجي وطايفون كهرمان - فقد صدر بحقهم حكم بالسجن 18 عامًا مثل جان أتلاي.
صلاح الدين دميرتاش
وصلاح الدين دميرتاش عمره 51 عامًا ويعتبر من أشهر السياسيين الأكراد في تركيا. وكان رئيسًا مشاركًا لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد ومرشحًا منافسًا لأردوغان في الانتخابات الرئاسية عام 2014. وقد حقق حزبه في الانتخابات البرلمانية بعد عام نجاحًا محترمًا ودخل مجلس النواب كثالث أقوى حزب. وبعد ذلك بفترة قصيرة فتح مكتب النائب العام تحقيقًا ضد صلاح الدين دميرتاش. وقد اتُهم بإثارة احتجاجات مسلحة ضد الدولة التركية بسبب عدم فعلها أي شيء في سوريا المجاورة عندما سيطر تنظيم "داعش" الإرهابي على مدينة كوباني الحدودية الكردية.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2016 اعتقل صلاح الدين دميرتاش بتهمة الدعاية للإرهاب والعضوية في تنظيم إرهابي مسلح. والمقصود بهذا التنظيم حزب العمال الكردستاني ، المصنف كتنظيم إرهابي في ألمانيا ودول أخرى أيضًا. لقد نفى صلاح الدين دميرتاش دائمًا عضويته في هذا التنظيم.
وكما كان الحال في قضية عثمان كافالا فقد قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في شتراسبورغ بأنَّ احتجاز صلاح الدين دميرتاش غير قانوني وطالبت بالإفراج الفوري عنه. ولكن تمامًا كما حدث في قضية عثمان كافالا، لم تقبل تركيا بحكم القضاء الأوروبي: حُكم في أيار/مايو 2024 على صلاح الدين دميرتاش بالسجن لمدة 42 عامًا بتهم من بينها دوره المزعوم في احتجاجات كوباني.
فيغن يوكسكداغ
وكان مجموع المتهين في هذه القضية 108 أشخاص؛ تمت تبرئة القليلين منهم فقط. ومن بين أشهر المتهمين في هذه القضية السياسية فيغن يوكسيكداغ، التي تولت بالاشتراك مع صلاح الدين دميرتاش في عام 2014، رئاسة حزب الشعوب الديمقراطي، الذي ما تزال تجري إجراءات حظره منذ أربعة أعوام. وبعد ذلك بفترة قصيرة، انتقدت فيغن يوكسيكداغ في عام 2015 إردوغان بشدة بسبب العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا. وقالت إنَّ تركيا لم تقاتل تنظيم "الدولة الإسلامية" هناك، بل لقد دعمت تحركاته ضد القوات الكردية.
وهذه الانتقادات لم تخرج من فيغن يوكسكداغ وحدها. وعلى سبيل المثال لقد تحدث الكاتب جان دوندار حول تسليم أسلحة تركية للمتطرفين الإسلامويين في شمال سوريا. وقد أمضى في تلك الأثناء الصحفي التركي جان دوندرا أيضًا فترة في السجن وهو يعيش الآن في المنفى ببرلين.
وبعد تحقيقات وتحريات طويلة، تم اعتقال فيغن يوكسيكداج في نهاية عام 2016، وفي صيف عام 2017 رفعت النيابة العامة قضية ضدها، ووجهت لها تهما منها الدعاية لميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا، والتي تصنفها الحكومة التركية كتنظيم إرهابي. وحُكم عليها في أيار/مايو 2024 بالسجن لمدة 30 عامًا وثلاثة أشهر.
عشرات الآلاف من السجناء السياسيين الآخرين؟
وهؤلاء المعتقلون ليسوا سوى أمثلة بارزة لعدد كبير من المعتقلين، الذين يعتبرون بالنسبة لمعارضي الحكومة "معتقلين سياسيين" في تركيا. ولا يوجد بشكل عام في أية دولة أخرى من الدول الـ46 أعضاء المجلس الأوروبي مثل هذا العدد من المعتقلين كما في تركيا. وبينما كان عدد المعتقلين في تركيا ما يزال أقل من نحو 50 ألف معتقل في عام 2000، ارتفع هذا العدد بحلول عام 2023 إلى نحو 350 ألف معتقل.
ومن غير الواضح كم يوجد من بين هؤلاء المعتقلين معتقون سياسيون، أي أشخاص يقبعون في السجون فقط أو بشكل خاص لأنَّهم يشكلون إزعاجًا للحكومة أو للمنظمات أو الأفراد المقربين منها. وعددهم يصل بحسب منظمات حقوق الإنسان إلى عشرات الآلاف.
وشهدت تركيا موجات اعتقالات كبيرة بشكل خاص إثر احتجاجات حديقة غيزي في عام 2013 وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، والتي تحمل أنقرة المسؤولية عنها حركة فتح الله غولن، الذي توفي في هذه الأثناء في الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن يُقال أيضًا إنَّ أكثر من 1100 شخص قد تم اعتقالهم مؤخرًا ضمن سياق الاحتجاجات الأخيرة بسبب اعتقال أكرم إمام أوغلو.