رسوم ترامب الجمركية تعزل أمريكا وتخلق أزمة اقتصادية ومالية واسعة
الاقتصاد والمال
يسيطر الهلع على أسواق المال مع بدء سريان رسوم ترامب الجمركية الجديدة على واردات 60 بلد. وتعهدت الصين بالرد الحازم، فيما حذرت ألمانيا من خطر ركود جديد، وسط توقعات بموافقة الاتحاد الأوروبي على أول إجراء جماعي مضاد.
دخل سريان أحدث مجموعة من الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على عشرات الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، حيز التنفيذ اليوم الأربعاء (التاسع من أبريل/نيسان 2025) من ضمنها رسوم باهظة على الصين تتخطى 100%.
وتسببت رسوم ترامب الجمركية في هزة للنظام التجاري العالمي القائم منذ عقود وأثارت مخاوف من الركودوأدت لخسارة تريليونات الدولارات من القيمة السوقية لشركات كبرى.
ومنذ أن كشف ترامب عن تلك الرسوم الأربعاء الماضي، تكبد مؤشر ستاندرد اند بورز 500 أكبر خسارة منذ إطلاقه في خمسينيات القرن الماضي. ويقترب المؤشر الآن من أن يصبح من الأسواق التي تسودها الرهانات على الهبوط والتي تتحدد بتراجع بنسبة 20 بالمئة عن أعلى مستوى بلغته في الآونة الأخيرة.
كما تأثرت السندات العالمية القياسية، وهي أصول تعتبر آمنة نسبيا، بالاضطرابات التي شهدتها الأسواق مع تحول مثير للقلق نحو عمليات بيعاضطرارية طلبا لملاذ.
وتجاهل ترامب التراجع الحاد في الأسواق وقدم للمستثمرين إشارات متضاربة حول ما إذا كانت الرسوم الجمركية ستبقى على المدى الطويل، ووصفها بأنها "دائمة" لكنه تفاخر أيضا بأنها تضغط على الزعماء الآخرين لطلب المفاوضات.
وعشية بدء سريان الحزمة الجديدة من الرسوم، قال البيت الأبيض "تأتي لنا الكثير من الدول تريد أن تعقد صفقات". وأضاف في وقت لاحق أنه يتوقع أن تسعى الصين للتوصل لاتفاق أيضا.
وكشف ترامب أن إدارته تقوم بإبرام "اتفاقات خاصة" مع دول العالم والشركاء التجاريين، قائلا: "نقوم بعمل جيد جدا، ونُبرم ما أسميه اتفاقات خاصة وليست جاهزة، أي أن هذه اتفاقات مصممة خصيصا وعلى مستوى عال وبدقة".
ومن المقرر أن تجري واشنطن محادثات مع كوريا الجنوبية و اليابانكما من المقرر أن تزور رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني الولايات المتحدة الأسبوع المقبل.
ومن المتوقع أيضا أن يتحدث نائب رئيس وزراء فيتنام مع وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت في وقت لاحق من اليوم الأربعاء. وفيتنام هي مركز للتصنيع منخفض التكلفة في آسيا وفرض عليها ترامب بعضا من أعلى الرسوم الجمركية على مستوى العالم.
وفي برلين قال وزير المالية الألماني في حكومة تصريف الأعممال يورج كوكيس إن أكبر اقتصاد في أوروبا معرض لخطر ركود جديد نتيجة للتوتر التجاري.
ويقدر بنك جيه.بي مورجان أن احتمال دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود بنهاية العام يصل إلى 60 بالمئة.
تدابير الصين لمواجهة ترامب
وبالنسبة إلى الخصم الصيني، نشر البيت الأبيض مرسوما رئاسيا "معدلا" رفع الرسوم التي ستفرضها واشنطن على الواردات الآتية من بكين من 34 إلى 84%، تضاف إلى 20% مفروضة بالأساس عليها، ما يرفع التعرفة الإجمالية إلى 104 بالمئة.
وردت الصين على الفور فأعلنت وزارة التجارة أن بكين لديها "إرادة حازمة ووسائل وافية" "و"ستتخذ بحزم تدابير مضادة وتقاتل حتى النهاية إن أصرت الولايات المتحدة على مواصلة تصعيد التدابير الاقتصادية والقيود التجارية".
وفي وقت لاحق رفعت بكين رسومها الجمركية الانتقامية على المنتجات الأمريكية من 34 بالمئة إلى 84 بالمئة وذلك
اعتبارا من 10 أبريل / نيسان.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية لين جيان خلال مؤتمر صحافي روتيني أن "حق الشعب الصيني المشروع في التنمية غير قابل للتصرف وسيادة الصين وأمنها ومصالحها الإنمائية لا يمكن المساس بها".
وحتى الآن، انخرطت الصين والولايات المتحدة في دورة من الرسوم الجمركية المتبادلة منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي.
أما كوريا الجنوبية، فتسعى لإبرام اتفاق تجاري "كبير" مع الولايات المتحدة بعدما أثارت مكالمة أجريت في اللحظة الأخيرة بين ترامب والقائم بأعمال الرئيس الكوري الجنوبي هان دوك-سو، فرص إحداث بعض الراحة للدولة المعتمدة على التصدير والمتضررة بشدة من موجة الرسوم الجمركية الأمريكية.
وبحسب وكالة بلومبرج للأنباء، قال ترامب إن فرص إبرام اتفاق تجاري مع كوريا الجنوبية "تبدو جيدة" بعد المكالمة التي غطت مواضيع تتراوح من العجز التجاري الأمريكي إلى التعاون لبناء السفن ومشروع خط أنابيب ألاسكا وتقاسم التكاليف الدفاعية.
يشار إلى أن كوريا الجنوبية هي سادس أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة ولكن الفائض التجاري للدولة الآسيوية قفز بنسبة 25% تقريبا في 2024، مقارنة بالعام السابق، إلى نحو 7ر55 مليار دولار، ليصبح أمرا مزعجا بالنسبة لترامب.
من جانبه، أكد الأمين العام لرابطة دول جنوب شرق آسيا كاو كيم هورن أن على آسيان "التصرف بشجاعة" لتسريع التكامل الاقتصادي الإقليمي في وقت باتت معظم بلدان العالم عالقة في حرب تجارية مدمّرة بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية.
وقال كاو في مؤتمر استثماري "علينا التحرّك بشجاعة وحسم ومعا لتأكيد التزام آسيان بيئة مستقرة ويمكن توقعها ومؤاتية للاعمال التجارية".
الاجراءات الأوربية المضادة
وأوروبيا، من المتوقع أن توافق دول الاتحاد الأوروبي الأربعاء على أول الإجراءات المضادة ردا على الرسوم الجمركية لينضم التكتل بذلك إلى الصين وكندا في الرد على إجراءات واشنطن.
ويواجه الاتحاد الأوروبي، المكون من 27 دولة، رسوما جمركية بنسبة 25 بالمئة على واردات الصلب والألمنيوم والسيارات، فضلا عن الرسوم الجمركية الأوسع الجديدة بنسبة 20 بالمئة على جميع البضائع الأخرى تقريبا بموجب سياسة ترامب لضرب الدول التي يقول إنها تفرض رسوما مرتفعة على الواردات الأمريكية.
واقترحت المفوضية الأوروبية قبل يومين فرض رسوم جمركية إضافية، معظمها بنسبة 25 بالمئة على مجموعة من الواردات الأمريكية ردا على الرسوم الجمركية الأمريكية على المعادن تحديدا.
ولا تزال المفوضية تقيم كيفية الرد على رسوم السيارات والرسوم الأخرى الأوسع نطاقا.
وأظهرت وثيقة اطلعت عليها رويترز أن الواردات تشمل الدراجات النارية والدواجن والفواكه والأخشاب والملابس وخيوط تنظيف الأسنان.
وبلغت قيمتها الإجمالية نحو 21 مليار يورو (23 مليار دولار) العام الماضي، مما يعني أن الإجراءات التي سيتخذها الاتحاد الأوروبي ستكون على سلع تقل قيمتها عن 26 مليار يورو من صادرات المعادن الأوروبية التي شملتها الرسوم الجمركية الأمريكية.
ومن المقرر أن تدخل هذه الإجراءات حيز التنفيذ على مراحل، في 15 أبريل نيسان و16 مايو أيار والأول من ديسمبر كانون الأول.
ومن المقرر أن تصوت لجنة من خبراء التجارة في دول الاتحاد الأوروبي بعد ظهيرة الأربعاء على اقتراح المفوضية. ولن ينتهي الأمر بحجب الاقتراح إلا إذا صوتت 15 دولة في التكتل تشكل 65 بالمئة من سكان دول الاتحاد بالرفض.
وهذا أمر غير مرجح بالنظر إلى أن المفوضية حشدت التأييد بالفعل من دول الاتحاد وعدلت قائمة مبدئية طرحتها في منتصف مارس آذار بحذف منتجات الألبان والمشروبات الكحولية الواردة من الولايات المتحدة.