مقابر جماعية لمهاجرين في ليبيا - كيف قتلوا في عمق الصحراء؟
أخبار عربية
ارتفعت أعداد الجثث المكتشفة في مقابر جماعية جنوب شرق ليبيا إلى 79 لمهاجرين غير قانونيين.
التحقيقات مستمرة بعد العثور على 62 جثة في الكفرة، بينما تواصل السلطات البحث عن المزيد من الضحايا والجثث.
عبّرت المنظمة الدولية للهجرة عن صدمتها وقلقها بعد اكتشاف مقبرتين جماعيتين في ليبيا تحتويان على جثث لعشرات المهاجرين، بعضهم مصاب بطلقات نارية، معتبرةً أن هذا الاكتشاف يعد "تذكيرًا مأساويًا" بالمخاطر التي يواجهها المهاجرون أثناء محاولاتهم القيام بـ"رحلات محفوفة بالمخاطر".
من جانبه قال محمد الفضيل، رئيس جهاز مكافحة الهجرة بالكفرة، لـ DW إن عدد الضحايا وصل إلى 79 حتى الآن، حيث تم العثور على 62 جثة في مقابر شمال شرق الكفرة في الصحراء. وقد تم التعرف على بعض الناجين، ومن خلال تشريح عشرين جثة من الذكور، تبين أن أعمارهم تتراوح بين 19 و40 عامًا. وبعد التشريح، تم إنشاء مقبرة كبيرة بالقرب من المقبرة الأصلية ل دفن الجثامين بناءً على تكليف من لجنة النائب العام.
وتأسس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في 04 يونيو 2014. ويقع مقره الرئيسي في طرابلس، مع فتح فروع ومكاتب في المناطق التي تقتضي لها الحاجة.
ضحايا عصابات الاتجار بالبشر
وكان فرانس بروتش، منسق برنامج الهجرة وحوكمة الحدود في المنظمة الدولية للهجرة، قد اكد في وقت سابق لوكالة رويترز أن الجثث التي عُثر عليها في منطقة أجخرة أظهرت آثار إصابات، من بينها جروح ناجمة عن طلقات نارية.
من جانبه اوضح إبراهيم بالحسن، مدير جهاز الإسعاف والطوارئ في الكفرة، لـ DW أنه تم إسعاف أكثر من 160 سودانيًا تعرضوا لحوادث سير في الصحراء خلال الأشهر الأربعة الماضية. وبخصوص المقبرة الجماعية، أكد أن المهاجرين الذين عُثر على جثثهم كانوا ضحايا لعصابات تهريب البشر، وذلك وفقًا لإفادات الناجين الذين كانوا برفقتهم، والذين ينتمون إلى جنسيات مثل الصومال وإريتريا.
وأضاف إبراهيم أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها مداهمة أوكار عصابات الاتجار بالبشر، لكنها المرة الأولى التي يتم فيها العثور على مقبرة جماعية في الجنوب الشرقي باتجاه الكفرة. وكانت هناك مداهمات سابقة مثل المقبرة الجماعية في الواحات شمال الكفرة قبل أسبوع، التي ضمت 19 جثة. كما أكد أن المداهمات السابقة أسفرت عن تحرير عدد كبير من المهاجرين وترحيلهم إلى بلدانه عبر جهاز مكافحة التهريب.
ووفقًا لما ذكرته مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، تظل السلطات الليبية تحت ضغط مستمر بسبب الأزمات الإقليمية المتزايدة. موضحة أن النزاع المستمر في السودان دفع أعدادًا كبيرة من اللاجئين لمحاولة عبور الحدود.
طريق العذاب عبر الصحراء
سامي ، اسم مستعار، لحد المهاجرين، يروي المأساة التي عاشها: "استغرقت الرحلة من مليط أربعة أيام، حيث كنا أكثر من ثلاثين شخصًا في عربة واحدة تُسمى التندرا، كالأعواد في علبة. كانت تكلفة الرحلة 300 جنيه سوداني. قضينا أربعة أيام في الصحراء حتى وصلنا إلى مليط، ثم تابعنا الرحلة إلى الزرق لمدة ثلاثة أيام أخرى. طوال الطريق، تعرضنا في البداية لعدة هجمات من الحركات المسلحة في دارفور، ثم لاحقنا الجيش الليبي."
ويضيف سامي بالقول: "لم نتوقف طوال الرحلة، وكان الماء ينفد بسرعة؛ كنا نكتفي بوجبة واحدة في اليوم، والماء بالكاد يكفي لترطيب الحلق. مررنا أيضًا بجبال تُسمى 'كوتشة'، وكان معنا في الرحلة أسرتان مع أطفالهما، بالإضافة إلى شاب سوري. على الطريق، شاهدنا العديد من العربات المعطلة في الصحراء، لكننا لم نرَ أحدًا بالقرب منها. سمعنا عن عصابات تشادية تقوم بخطف الناس، ولكن لم نشهد ذلك بأنفسنا. حتى وصلنا إلى الكفرة، حيث كانت هذه نهاية الرحلة المرهقة."
من جانبه، أكد إبراهيم بالحسن، مدير جهاز الإسعاف والطوارئ في الكفرة، أن المهربين يمارسون تعذيبًا وحشيًا ضد المهاجرين، سواء كانوا رجالًا أو نساء، بهدف الحصول على المال من عائلاتهم. هذه الممارسات القاسية تتضمن إرسال مقاطع وصور توثق التعذيب لتهديد عائلات الضحايا ودفعهم لدفع الأموال. وأضاف إبراهيم أن خط الجنوب الشرقي في ليبيا يُعد من الطرق المعروفة للمهاجرين القادمين من الصومال وإريتريا وإثيوبيا، الذين يعبرون عبر السودان ثم يتجهون شمالًا إلى ليبيا، ومن هناك إلى إيطاليا. وأوضح أن تجارة البشر أمر مرفوض من سكان تلك المناطق، وأن السلطات الليبية تبذل جهودًا كبيرة لمكافحة هذه الظاهرة. وأشار إلى أنه يُتوقع أن يسهم ذلك في تراجعها بشكل ملحوظ في المستقبل.
وفي هذا السياق، أوضحت أميرة أحمد، أستاذة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في الجامعة الأمريكية، أن الأوضاع التي يتعرض لها اللاجئون الأفارقة في ليبيا مؤلمة للغاية. تشمل هذه الأوضاع المعاملة القاسية، الاحتجاز، العبودية، وأشد أشكال الاستغلال التي تشبه أسواق النخاسة. وأكدت أن هذه الممارسات كانت موثقة من قبل منظمات مثل "أمنيستي" و"هيومن رايتس ووتش".
ففي مارس 2023، أفادت بعثة تقصّي الحقائق التابعة للأمم المتحدة بأن استغلال المهاجرين في ليبيا يشكل انتهاكًا للقانون الدولي. حيث وثقت الميليشيات والأطراف الحكومية ارتكاب جرائم ضد الإنسانية تشمل التهريب، الاستعباد، العمل القسري، وابتزاز المهاجرين.
أزمة إنسانية تتجاوز قدرات ليبيا
أفاد محمد الفضيل، رئيس جهاز مكافحة الهجرة، بأن عدد اللاجئين القادمين إلى ليبيا قد انخفض بنسبة 80% منذ بدء العمليات العسكرية في سبتمبر من العام الماضي. وقد تحقق هذا التراجع بفضل التنسيق بين الجيش ووزارة الداخلية ضمن جهود محاربة التهريب والمخدرات والهجرة غير الشرعية. وأضاف أن الجيش والشرطة تمكنوا من تحرير أكثر من عشرة آلاف لاجئ، بالإضافة إلى القبض على العديد من المهربين في المزارع والمنازل.
من جانبه، يسعى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى القضاء على جرائم الاتجار بالبشر من خلال تفكيك الشبكات الإجرامية المتورطة في تجارة البشر، كما يعمل على إدانة الجناة الرئيسيين.، فعلى الصعيد العالمي، يشكل الأطفال واحدًا من كل ثلاثة ضحايا ا لأتجار بالبشر، وغالبية هؤلاء الضحايا من الفتيات. وفقًا للتقرير العالمي عن الاتجار بالأشخاص GLOTIP الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة UNODC، فإن الأطفال يتعرضون للعنف أثناء عملية الاتجار بمعدل يفوق ضعف ما يتعرض له البالغون.
وفي هذا السياق، ذكر تقرير مركز "ديفندر" أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة فشلا في معالجة الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في ليبيا. على الرغم من الجهود المبذولة لتسهيل عملية سياسية شاملة بقيادة ليبية، إلا أن الإخفاق في تحقيق ذلك ظل واضحًا. كما أن تقرير بعثة تقصي الحقائق حول الانتهاكات الجسيمة لم يُترجم إلى إجراءات ملموسة، مما أدى إلى استمرار الإفلات من العقاب. بينما تستمر مشكلة الاتجار بالبشر رغم تدخل الحكومة الليبية والمنظمات، بسبب الوضع غير المستقر وتزايد عدد الضحايا، مما يبرز الحاجة الملحة لاتخاذ خطوات حاسمة لحماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة.