قوات الدعم السريع تحارب المزارعين السودانيين ومالكي المواشي بمنعهم عن بيع بضائعهم في مناطق الجيش السوداني
أخبار عربيةقامت قوات "الدعم السريع" بخطوة تصعيدية مفاجئة منعت فيها عبور المحاصيل الزراعية والمعادن الاستراتيجية وسلع أخرى، وكذلك المواشي إلى مناطق سيطرة الجيش السوداني، مما فاقم الأوضاع المعيشية لسكان ولايات دارفور الخمس وأقاليم كردفان الثلاثة.
في وقت حذرت فيه جهات دولية ومحلية من سوء الوضع الغذائي في السودان الذي بلغ درجة المجاعة، قامت قوات "الدعم السريع" بخطوة تصعيدية مفاجئة منعت فيها عبور المحاصيل الزراعية والمعادن الاستراتيجية وسلع أخرى، وكذلك المواشي، إلى مناطق سيطرة الجيش السوداني، مما فاقم الأوضاع المعيشية لسكان ولايات دارفور الخمس وأقاليم كردفان الثلاثة، فضلاً عن انخفاض أسعار المحاصيل وتراجع حركة البيع والشراء، إضافة إلى التأثير بقطاع النقل وعرقلة الأعمال التجارية مع شمال البلاد.
وعززت هذه الخطوة المخاوف من تحول حياة السكان العالقين في مناطق النزاع إلى جحيم، بخاصة المنتجون، بعد حرمانهم من تسويق المحاصيل وتوقف صادرات المواشي وحركة الأسواق، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بمعدلات كبيرة وبوتيرة سريعة ونفاد المدخرات المالية.
صعوبات وتعقيدات
إلى ذلك حدد القرار الصادر من المجلس الاستشاري لقوات "الدعم السريع" السلع المحظور حركتها من الذهب والصمغ العربي بأنواعه وزيوت الطعام والسمسم والدخان والذرة الرفيعة والكركديه والويكة (البامية المجففة) والتمباك (مضغة للكيف) إلى جانب المواشي على أنواعها من أبقار وماعز وضأن.
وتوعد القرار المخالفين بعقوبات رادعة تصل حد الحجز، ومصادرة السلع المضبوطة لمصلحة قوات "الدعم السريع".
وبات عبور المحاصيل الزراعية والمعادن الاستراتيجية، وكذلك المواشي، إلى شمال السودان أكثر صعوبة وتعقيداً نظراً إلى سيطرة "الدعم السريع" على الطرق التي تربط بين مناطق الإنتاج والمدن التي يسيطر عليها الجيش السوداني.
ركود وديون
المزارع عباس محمد صالح قال إن "حظر خروج منتجات وسلع استراتيجية من أقاليم دارفور وولايات كردفان إلى مناطق الجيش يعد قراراً كارثياً لأنه يفتقر إلى عاملين أساسين، هما الجانبان الأخلاقي والإنساني، ويمضي في اتجاه محاولة التحكم والضغط الاقتصادي لتحقيق أهداف عسكرية".
وأضاف أن "هذا الإجراء يسهم في توقف التبادل التجاري بين مدن البلاد والوصول إلى الأسواق والتصدير، ويلحق أضراراً وخسائر بالغة بآلاف المزارعين والتجار، ويفاقم مصاعب ومعاناة الفقراء وذوي الدخل المحدود".
وأوضح صالح أن "هناك حالة ركود ضربت الأسواق، مما أدى إلى انخفاض أسعار المحاصيل في فترة الحصاد، وهذا ما يمكن أن يعرض المزارعين للسجن لعجزهم عن سداد ديونهم وعدم وجود مرونة لجدولتها".
أزمات وملاحقات
فيما أوضح المزارع بخيت الفكي الذي يملك نحو 30 فداناً في ولاية جنوب دارفور أن "قرار منع عبور المنتجات الزراعية له تأثير بالغ على الأوضاع الاقتصادية، منها تدني الأسعار من دون كلفة الإنتاج، مما أجبر كثيراً من الفلاحين في الإقليم على البيع بالخسارة، بالتالي لم يتمكنوا من الإيفاء بالتزاماتهم تجاه التجار".
وأشار إلى أن "سعر جوال الفول السوداني بلغ 30 ألف جنيه سوداني (12 دولاراً)، وجوال السمسم 45 ألف جنيه (18 دولاراً)، والصمغ العربي 270 ألف جنيه (نحو 100 دولار) والكركديه 40 ألف جنيه (16 دولاراً)".
ولفت الفكي إلى أن "المحصول لم يغط كلفة إنتاجه، وأصبح معظم المزارعين ملاحقين من قبل التجار لسداد ديونهم، وهو أمر من الصعب الالتزام به في ظل انخفاض الأسعار، وكذلك عدم قدرة المنتجين على تسويق المحاصيل إلى مناطق أخرى في البلاد".
ونبه المزارع السوداني إلى أن "هناك أزمات تواجه عملية تخزين المحاصيل، منها تزايد حالات النهب والسلب تحت تهديد السلاح، فضلاً عن تلف المنتجات الموسمية بمجرد حلول فصل الشتاء".
معالجات وبدائل
وفي شأن معالجة الأزمة وتوفير بدائل وأسواق جديدة، أوضح مستشار قائد "الدعم السريع" أيوب عثمان نهار عبر تغريدة على منصة "إكس"، أن "المجلس الاستشاري يعكف على وضع تصور لإنشاء منطقة حرة في دارفور وكردفان تختص بالصادرات، بموازاة العمل على إنشاء محفظة مالية متعددة العملات لتكون بديلاً جديداً للتعاملات المالية". وأضاف "لن نسمح بنهب وتهريب الثروة السودانية واستفادة الفاسدين منها، ونسعى بكل جهد للمحافظة عليها". ولفت نهار إلى أن "هذه الإجراءات لا تستهدف المواطنين أو التجار، ومن يخالف ذلك يعرض نفسه للمساءلة القانونية".
خسائر فادحة
إزاء هذا الوضع المتدهور تضرر قطاع الثروة الحيوانية نتيجة توقف الصادرات وانهيار قطاع اللحوم، ومني أصحاب المواشي بخسائر فادحة.
وفي هذا الصدد يقول أحد ملاك المواشي بمنطقة رهيد البردي في ولاية جنوب دارفور يدعى سعد عبدالله إن "قرار قوات ‘الدعم السريع‘ أسهم في توقف الصادرات والتبادل التجاري، وأصبحت عملية البيع والشراء محصورة داخل الإقليم، مما عرض التجار لخسائر فادحة، لا سيما أن المنطقة تتميز بثروة حيوانية وحركة نشطة في تجارة المواشي". وأضاف أن "سكان ولايات غرب السودان يعتمدون على الثروة الحيوانية في معيشتهم من خلال بيعها وتصديرها، وقد أغلقت الحرب أمامهم السوق الخارجية والداخلية، كما أن رعاتها قد تركوها بسبب استمرار الصراع المسلح".
وأردف عبدالله "هناك مشكلات تواجه المواشي في إقليمي كردفان ودارفور بسبب التفلتات الأمنية وتعرضها للسلب والنهب، إلى جانب أن الحرب أجبرت أصحابها على البيع بأسعار زهيدة للغاية، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية".
تأثير اقتصادي
على صعيد متصل يرى المتخصص في الشأن الاقتصادي متوكل الشاذلي أن "القرار سيضر بالمنتجين أكثر منه بالاقتصاد السوداني، باعتبار أن الحرب الطويلة هناك جعلت حركة السلع من دارفور وكردفان، على رغم أهميتها الاقتصادية، تعاني صعوبات كبيرة في الوصول إلى الأسواق والتصدير، مما أضعف أثر منتجات تلك الأقاليم في الاقتصاد الوطني".
وأضاف أن "الخطوة متسرعة وغير مدروسة وتمس سكان ولايات الإنتاج في معيشتهم وأعمالهم الرئيسة، بالتالي ستبرز مشكلات بين المجتمعات المحلية وقوات ‘الدعم السريع‘، مما ينذر بكارثة إنسانية ومعيشية".
وتوقع الشاذلي "ألا يصمد قرار ‘الدعم السريع‘ طويلاً نظراً إلى أضراره الكبيرة على المنتجين بحرمانهم من تسويق المحاصيل والمعادن والسلع، مما قد يؤدي إلى توقف الإنتاج من الأساس".
توقف النقل
في غضون ذلك تأثر قطاع النقل بصورة كبيرة نتيجة القرار، إذ تعطلت حركة الشاحنات والتجارة من ولايات دارفور الخمس وأقاليم كردفان الثلاثة إلى شمال السودان.
على الصعيد نفسه أوضح صديق مجذوب، وهو سائق إحدى الشاحنات، أن "الأوضاع تسير نحو الأسوأ، خصوصاً بعد إرجاع شاحنات عدة محملة بالمحاصيل الزراعية أثناء توجهها إلى منطقة الدبة في الولاية الشمالية التي يسيطر عليها الجيش السوداني".
وأضاف أن "تداعيات القرار باتت كارثية على أصحاب الشاحنات والمركبات، إذ توقف عملهم بصورة رسمية، مما أدى إلى تعطل حركة نقل إمدادات البضائع والسلع الضرورية من الولاية الشمالية إلى أقاليم كردفان ودارفور".
وأشار مجذوب إلى أنه " كان يمضي أيامه خلف مقود شاحنته متنقلاً بين نيالا والأبيض ومنطقة الدبة لنقل المحاصيل والسلع الأخرى، إضافة إلى توزيع البضائع بعد تحميلها من شمال السودان، لكنه أصبح منذ تنفيذ قرار قوات 'الدعم السريع' عاطلاً من العمل".